
قبل وصولي الى المقهى الثقافي حيث كان هناك موعد مع ندوة حول «المجلات الثقافية في العصر التقني» مررت باحدى دور النشر. أصغيت الى حوار قصير حيث كان البائع يعتذر لأحد رواد المعرض عن عدم توفر رواية «اسم الوردة» للايطالي أومبيرتو ايكو، وحين سألته بدوري قال: المنع قديم، لذلك لم نأت بها ضمن قوائمنا. سألته عن كتب أخرى منعت. أجاب كتاب «الحقيقة والمنهج» لغاديماير. تذكرت ساعتها ما صرح به وزير الاعلام الشيخ محمد عبدالله المبارك الصباح في المؤتمر الصحفي الذي عقد بمناسبة الافتتاح، حيث أشار إلى أن وزارة الاعلام تتبع القانون في ما يتعلق بالرقابة وأن دورها هو «حماية المجتمع من الكتابات المخلة».
تساءلت: أي اساءة يمكن أن يتضمنها كتاب «اسم الوردة»، هل هو كتاب إباحي؟ هل يدعو الى فتنة طائفية؟ «اسم الوردة» واحد من الاعمال العالمية الفريدة التي تجمع الفلسفة إلى التاريخ إلى الأدب، وترسم طريق الحقيقة باعتباره التتبع الدائم للأثر، وأن الحقيقة قد لا تغير الواقع أو تمنع من الجريمة، لكن البحث وراءها يظل ضرورة انسانية، لكن الأهم أنها تبرز الى أحد يمكن أن يصبح التعصب أداة القتل المقدس. هل في هذا أمر مخل بالآداب؟ أما هانز غاديماير فهو أحد أشهر الفلاسفة الألمان في العصر الحديث في ما يتعلق بفلسفة التأويل، فهل كتابه «الحقيقة والمنهج» كان خاليا من الاحتشام؟ هل يمثل خطورة على النسيج الاجتماعي؟
تحت كلمة «القانون»
للأسف فانه تحت كلمة «القانون» ومن دون تحديد واضح وحاسم لموانع النشر، بما لا يسمح بالاجتهاد المزاجي، أو التفسير الشخصي، تصبح فكرة حماية المجتمع مطاطة بالقدر الذي يمكن أن تنقلب فيه إلى حصار لوعي المجتمع. وحصار بالضرورة لجوهر أي فعالية ثقافية بما فيها معرض الكتاب. لا عجب إذا أن تتعثر بين أطنان الكتب في عناوين مكررة ومعادة حيث صارت آلية المنع والرقابة ذاتية وهو ما يدفع بدور النشر الى التعامل مع «المأمون».
الواقع الافتراضي
غريب أن يحدث هذا وانا في طريقي الى ندوة تتحدث أصلا عن الأثر الذي تركته شبكة الانترنت على المطبوعات الثقافية الورقية، حيث بدت الأولى كما قال المتحدث الأول في الندوة الروائي المصري عزت قمحاوي مدير تحرير مجلة الدوحة القطرية، إن النشر الالكتروني صار قادرا على بلوغ مساحات ليست في مستطاع النشر الورقي، كما أنها تتمكن من تجاوز الموانع الرقابية لبلد الاصدار أو بلد التوزيع.
الندوة أدارتها الأستاذة فايزة المانع مديرة تحرير مجلة الكويت وشارك فيها مدير تحرير مجلة مدارات اليمنية مجمد سيف حيدر.
في كلمته أشار قمحاوي إلى ظاهرتين إحداهما ثقافية بالخصوص، وهي مفتاح لأسئلة تتردد دائما أمام كل جديد: إنه الخوف. ثقافة الخوف، وثقافة «كل محدثة بدعة». أما الظاهرة الأخرى فهو ما أسماه بعصر النزوح، مما يعني أنه لا المعرفة وحدها صارت تنتقل بسرعة من مكان الى مكان بل البشر أيضا، وهذا يعني استحالة إغلاق الباب دون التغيير والجديد. وأضاف قمحاوي أن ذلك يضع تحديا أمام المجلة الثقافية من حيث تجديد المحتوى والشكل، حيث يكون أكثر ديموقراطية، وقادرا على اجتذاب موضوعات ثقافية بنقلها من الخطاب الشائع إلى موقع التحليل الثقافي.
صدمة حضارية
أما محمد حيدر مدير تحرير «مدرات» الميزة التفاعلية للمجلة الالكترونية من حيث التواصل مع الكتاب، وقدرتها على الانتشار ما حدا بمجلات عربية محترمة مثل «الرافد» و «العربي» و «الدوحة» وغيرها الى تأسيس مواقع الكترونية تعرف بها. وأكد محمد حيدر أن النشر الالكتروني كشف عن نقيض الشائع من عزوف الناس عن القراءة، فعلى النقيض بدا أن الناس لم يقرأوا بهذا القدر الهائل الا منذ ظهور الانترنت، بغض النظر عن محتوى هذا القدر من المعلومات. وأن ذلك انعكس أيضا على قراءة «المطبوع». وأشار حيدر الى ما اعتبره صدمة حضارية لدى البعض مصدرها القلق من «ديموقراطية المعرفة» فراح يهاجم تلك «الفوضى العارمة التي تكتسح المجال الافتراضي».
تجديد ولكن..
التجديد في تصميم صالات المعرض هذا العام واضح، خاصة في ما يتعلق بموقع المعرض التشكيلي، والمقهى الثقافي، حاول المقهى هذا العام أن يكون اسما على مسمى من حيث الشكل والديكور البسيط والانيق، لكن عابته صعوبة الدقة في نقل صوت المتحدثين في الندوات بسبب اتساع المساحة، مما تسبب في بعض التشويش وصعوبة الاصغاء أحيانا الى ما يقوله المتحدث.
يوم مضى.. ولكل يوم جولته.
واقعية جديدة
تتنقل بين رفوف الكتب والوجوه فتعثر هنا على أصدقاء وكتاب يبحثون مثلك عن فكرة جديدة. أمام دار الفارابي التقيت بالروائي وليد الرجيب الذي صدرت له أخيرا عن الدار رواية «ليتوال2010»، والقاص الشاب عبدالوهاب سليمان. تحدث الرجيب عن الملتقى الثقافي الجديد (قادمون) الذي شارك في تأسيسه (رفض بالمناسبة أن يعتبر نفسه مديرا له) مع مجموعة من الشباب المثقفين. أكد الرجيب السمة التي تميز هذا الملتقى من حيث أنه ليس مجرد «صالون أدبي» وانما هو تجمع ثقافي ذو توجه واضح يستعيد فكرة الواقعية، وضرورة التثقيف. وأشار الرجيب إلى أن واقع الثورات العربية الآن وما يشهده العالم العربي من تغيير كبير آخذ في النمو سيعزل أي أدب ينفصل عن قاعدته وبنيته التحية.
هذا الحديث ربما يفتح آفاقا أخرى للحوار: هل تتغير بالفعل طبيعة الأدب؟ هل تستعاد مرة أخرى أشكال من «الالتزام»، تلك القضية كانت مطروحة على الساحة الثقافية في الخمسينات والستينات من القرن الماضي بكل أسمائه اللامعة؟
بدا أيضا وكأن الحوار استكمال لحوار سريع أثناء افتتاح المعرض مع د. خليفة الوقيان بمناسبة إصداره طبعة جديدة معدلة ومنقحة من كتابه «القضية العربية في الشعر الكويتي»، حيث أشار الوقيان الى ما تضمنه الكتاب من رصد للتوجه العروبي منذ العشرينيات، حينما بدا أن المثقف في أي مجال كان صاحب مشروع، حتى لو نظرنا الى طروحاته الآن وقد بدا أن ما تعبر عنه كان أكثر تعقيدا وتشابكا مما يبدو على السطح.