
على ساحة السينما العربية أسماء عريضة من الفنانين حملوا لواء النجومية على اكتافهم لعدة أجيال بعد أن بدأوا مشوارهم في بداية السبعينيات، وبعضهم بدأ ما قبلها بسنوات، تاريخهم الفني المليء بالكثير من الأعمال الناجحة، ويمتلكون شعبية جارفة صنعت حالة فنية شديدة الخصوصية على الشاشة الفضية.
يمكن القول إن هؤلاء النجوم الكبار هم السبب في تراجع الجمهور عن مشاهدة أعمالهم الفنية، وذلك لسبب بسيط يتعلق بدورة الحياة وتجددها جيلا بعد جيل، بكل معطياتها واختلاف وتنوع احتياجات كل جيل عن الجيل الذي سبقه.
أدوات خاصة
نجوم السينما معدودون، ونشير هنا إلى «نجوم الشباك» الذين يحمل كل منهم الفيلم على كتفيه، ولا علاقة لتعبير «نجوم الشباك» بتقييمنا لهم كممثلين، فإن لكل واحد منهم ادواته ووسائل تعبيره الخاصة، وقدراته الذاتية، وثقافته السينمائية والاجتماعية، ثم ارتباطه بمجريات الحياة في مختلف الميادين وانعكاساتها على فنه وأفلامه.
إن استخدامنا لهذا التعبير نابع من كونه حقيقة انتاجية مادية لها علاقة مباشرة بالمنتجين والموزعين من جهة، وبالنجم وجمهوره فى شباك التذاكر من جهة ثانية.
معجزة سينمائية
عندما يعطي جمهور السينما النجاح لفيلم ما، فإن بطل هذا الفيلم يصبح هو النجم الذي يتهافت عليه المنتجون، وهي المعاناة التي تعيشها السينما العربية مع نجومها الموجودين على الساحة الفنية منذ ما يقرب من 40 سنة، وهذه «معجزة» سينمائية من دون شك، لأنها تقفز فوق التاريخ والزمن والتطور وطبيعة الحياة، بعد أن ظل هؤلاء النجوم الذين بدأوا مشوارهم في منتصف الستينيات «نجوما» حتى يومنا هذا، رغم تجاوز البعض منهم الستين من عمره، بينما البعض الآخر لا يزال يضع اقدامه على عتباتها، وبعد أن قدم عددا منهم ما لا يقل عن مائة فيلم، وان كان من بينهم من زادت أفلامه على هذا الرقم.
وهكذا فإنهم لم يستهلكوا انفسهم وحسب، إنما استعبدوا الجمهور الذي أحبهم واستغلوه بقسوة مفرطة.
خريف العمر
هؤلاء النجوم بينهم عادل إمام ونادية الجندي ومحمود ياسين ونبيلة عبيد وحسين فهمي ويسرا ومحمود عبد العزيز وميرفت أمين وعزت العلايلي ونور الشريف ونجلاء فتحي وسميرة أحمد ويوسف شعبان وسمير صبري ونيللي وحسن يوسف، ووصولا إلى الوجوه الأحدث نسبيا، فاروق الفيشاوي وليلى علوي ومحمود حميده والهام شاهين ومصطفى فهمي.
وهم في مجملهم نجوم السينما الذين شاخت مع بعضهم، ووصلت إلى خريف العمر مع بعضهم الآخر، ومع ذلك، فإنهم لا يريدون التخلي عن أدوار الفتى الأول، ويصرون على فرضها، رافضين رفع الراية البيضاء بقرار من الجمهور لدواعي الزمن، وهو ما أدى إلى أن خذل الجمهور نجومه «التاريخيين» في أفلامهم الأخيرة، وراح ينصرف عنهم تدريجيا، باحثا عن وجوه اكثر شبابا، وأكثر تعبيرا عن الجيل الحالي من شباب الانترنت والغرافيك والمحمول وفضائيات العالم، والطموحات التي لا تقف عند حد.
جمهور شاب
الإحصائيات والدراسات أكدت أن %95 من مرتادي دور السينما هم من الشباب، من الجنسين بغض النظر عن ثقافتهم وموقعهم في المجتمع سواء كانوا من الطلاب أو من العاملين في مختلف المهن، ولعل الإقبال الشبابي هو التفسير الوحيد لنجاح أفلام مثل «غاوي حب، مطب صناعي، ميدو مشاكل، الباشا تلميذ»، لأن أبطال هذه الأفلام هم من الشباب.
وبالتالي أحداث تلك الأفلام مطابقة لاهتمامات شباب هذه الأيام ومشاكلهم وطموحاتهم.
هل كان يمكن لهذه الأفلام أن تحقق النجاح والإيرادات الضخمة، فيما لو كان أبطالها من نجوم الشباك الذين تخطوا الستين من عمرهم؟ وهل يقبل الجمهور أن يقوم هؤلاء الكبار بأدوار طلاب في الجامعة، أو مراهقين أو عاشقين أو مشاغبين؟ وان كانوا قد قدموا هذه الأدوار وكرروها في أفلامهم عشرات المرات، لكنها كانت مقبولة منهم عندما كان عمر أحدهم ما بين الـ 25 و30 سنة.
قرار الاعتزال
أما وقد تضاعفت أعمارهم، واختلف الزمن الراهن في مفاهيمه وسلوكاته واحتياجاته، عما كان سائدا عند أجيال الستينيات والسبعينيات والثمانينيات، الذين تربعوا على شباك تذاكرها، فإنه لا بد من التوقف بعد تقدم العمر، في مقابل تغير المفاهيم، واختلاف الاهتمامات.
وهذا لا يعني ان يتخذ هؤلاء النجوم قرار الاعتزال، إنما يجب ان يخضعوا لحكم الزمن والتطور والمتغيرات بتقديم اعمال تتناسب مع أعمارهم ونضجهم الانساني وخبرتهم الحياتية، ولكن ان يحلم أي نجم ممن تخطوا الستين أن يقدم فيلما من بطولته، فهذا ضرب من الجنون والعته، لم يحدث في تاريخ صناعة السينما المصرية إلا في أضيق الظروف والأحوال.
إن السينما لا يمكن ان تكون حالة راكدة، ولا يمكن لها ايضا ان تتقدم وتتواصل بالنجوم، أنفسهم متجاهلة تواصل الأجيال وكل ما هو جديد، فإذا ما شاخ النجم، فلا مفر من أن تشيخ معه السينما التي يقدمها.