Quantcast
Channel:
Viewing all articles
Browse latest Browse all 8691

جميلة الجميلات شريهان.. «أيقونة» ميدان التحرير

$
0
0

عام 2011 كان درامياً في العالم العربي، فانتفضت دول تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا بالغضب، قامت ثورات وحروب واشتعلت انتفاضات، وما زالت هذه الدول على سطح صفيح ساخن لم تنضج بعد.

وفي قلب هذا السعير تغير «مزاج» العرب، وتم تسييس الفن والثقافة، فاحترقت أوراق اعتماد نجوم فهبطوا إلى القاع، وارتفعت أسهم آخرين فصعدوا إلى القمة. تلك هي قصص «أيقونات» الفن الذين احترقوا مرغمين أو طامعين بنيران الثورات، ووقعوا في ألاعيب الساسة، وانهاروا أمام إغراء السلطة، فتحولوا إلى ضحايا أو تَذاكوا وصاروا أبطالاً. هذا المزج الساحر بين الشهرة والثروة كيف تفاعل مع نداءات الخبز والحرية والعدالة الاجتماعية أمام القمع والدكتاتورية؟!

القبس تفتح يومياً ملفات، وتسبر أغوار أشهر الشخصيات الفنية والثقافية العربية التي ارتبطت بشكل من الأشكال مع مستجدات ومتغيرات الربيع العربي، وتحولها من حال إلى حال بين الأمس القريب واليوم الجديد.

في صيف عام 2002 كان جمهور ونقاد مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي يشاهدون فيلم «العشق والدم». ومع مشهد النهاية دوى التصفيق لتحية أبطاله على هذا العمل الجيد، فلم يجدوا سوى المخرج أشرف فهمي وفاروق الفيشاوي.. غابت النجمة شريهان التي أدهشتهم بأدائها المختلف في هذا الفيلم.. قيل إن لديها ظرف طارئ.

كان الفيلم حالة فنية خاصة، ويقدم عالماً فريداً، وحكاية مدهشة من جنوب مصر، تختلط فيها الأسطورة بالحب والدم.. وفي ختام المهرجان وقف الجمهور يصفق لعدة دقائق عند إعلان فوز شريهان بجازة أحسن ممثلة.. واختلطت صافرات المحبين بالفرحة، لكنهم فوجئوا ثانية باختفائها، وجاء صوت من فوق خشبة المسرح ليعلن ثانية تعذر حضورها، مطالباً القاعة بالهدوء والإنصات لكلمة مسجلة منها أرسلتها للمهرجان.

انساب صوت شريهان وقتها في هدوء وشجن وبساطة ليقول: «أمر بأزمة صحية تمنعني من الحضور، لكن كل شكري لكم ولتقديركم للفيلم ولدوري فيه، وأطلب منكم الدعاء».

خيم الصمت على القاعة، ثم عاد التصفيق ثانية وسط الدموع والخوف على «جميلة الجميلات»، وكأن الجميع يؤكدون لها أنهم فهموا الرسالة القصيرة وأنهم يساندونها ويدعون لها.

كثيراً ما تعرّضت شريهان للمحن والأزمات منذ طفولتها، وخرجت منها أكثر قوة، حتى سميت «سيدة الأحزان».. لكن هذه المرة كانت المحنة أكبر وكانت تُخفيها بصبر نادر.. فقبلها بعام عرفت إصابتها بمرض سرطان الغدة اللعابية، وهو أخطر أنواع السرطان، فاختفت عن الأضواء ولم يعرف بمرضها سوى أفراد أسرتها المعدودين على الأصابع.. لكن بعد رسالتها لمهرجان الإسكندرية كان الكل يفتش عن مرضها، وسرعان ما عرفوا الحقيقة، حيث اضطرت شريهان الى إجراء جراحة في الجانب الأيمن من وجهها بعد استئصال ورم خبيث هدد حياتها، لتمر بعدها برحلة علاج طويلة استمرت على مدى أربع سنوات ما بين باريس والقاهرة.

 

حادث سياسي

كان فيلم «العشق والدم» آخر ظهور لها في السينما.. ومع الوقت اعتاد الجمهور انزواءها، ولم يتعامل بجدية مع كل الأخبار التي كانت تعلن من حين إلى آخر عن عودتها للتمثيل.. كان الجميع يتذكرونها بامتنان ويدعون لها بالشفاء.. وكانوا يتهامسون سرّاً عن حياتها التي اختلطت بالألم والأسرار، ويحكون قصة متداولة تعود الى الرابع والعشرين من مايو 1989، حينما تعرضت للحادث الشهير الذي سجله دفتر أحوال قسم شرطة سيدي جابر - الإسكندرية تحت رقم 13، باعتباره حادث سير.. لكن خزانة حكايات الوسط الفني والسياسيين والمجتمع المخملي كانت تعتبره حادثاً جنائياً سياسياً يجسد المزج بين السلطة والشهرة، وحامت شبهات واتهامات لبعض الشخصيات النافذة في السياسة المصرية، بمحاولة قتلها والتخلص منها أو تلقينها درساً.

وخرجت شريهان من الحادث بإصابات بالغة في العمود الفقري، استدعت سفرها إلى الخارج وبقاءها لسنوات طويلة تحت الإشراف الطبي، لتعود بعدها إلى ممارسة نشاطها الفني بقوة وتحدّ، وكأنها كانت ترسل رسالة إلى شخص ما لتقول له «ما زلت أحيا وسأبقى وأعيش مهما حدث».

وقتها قدمت شريهان مسرحية «شارع محمد علي» وفوازير رمضان ذاك العام، وتألَّقت تألُّقا لافتا في العملين، كأنها تقدم شهادة تحدٍّ.

 

الشهرة والحرية

الطفلة المعجزة التي باغتت الجميع بموهبتها، تربّعت على عرش الفوازير والسينما والمسرح والدراما، لتبهج الجميع بلا حدود.. في سنوات المحنة، التي قاومت فيها السرطان وقهرته، كانت تستعيد شريط حياتها وتتأمله، وتستعين بالموسيقى والقراءة لتتخلص من الوحدة. كانت تتذكر رحيل شقيقها وتوأم روحها الموسيقار عمر خورشيد في حادث يحيطه الغموض وتتشابك فيه السياسة بالحب والشهرة حتى الآن، ثم رحيل والدتها التي كانت تعني لها كل شيء، ومعاناتها وهي في السادسة عشرة لتثبت نسبها من والدها، الذي شكك فيه أقرب الناس إليها، لكنها صمدت ونجحت ونالت احترام الجميع.

كانت من وقت إلى آخر تفرز كلمات شديدة العمق والفلسفة عن حياتها.. قالت: «من الجميل أن تكون إنساناً شهيراً، ومن يدعي غير ذلك فهو كاذب، لكن العيب أن تقتحم الشهرة حياة الفنان الخاصة، بحيث لا يستطيع أن يتنفس كالآخرين. وإذا كان كل إنسان يحب أن يعيش مع نفسه في بعض الأوقات من دون «رتوش» أو تمثيل، فإن هذا المطلب البسيط يبدو في حالة الفنان صعباً، وفي حالتي أصعب. فقد وصلت إلى درجة انني أحيانا أشتاق إلى رؤية ملامح الناس الحقيقية، هذه هي الضريبة، مع الأسف، لا بد أن أدفع الثمن وأن اختار ما بين الشهرة والحرية»!

المؤكد أن شريهان اختارت في السنوات الأخيرة الحرية.. اختارت أن تحيا حياتها الزوجية بعيداً عن الشهرة، وانجبت في 2009 ابنتها الثانية تالية، بعد أن شفيت من السرطان، وأكدت التحاليل خلو دم طفلتها منه.. وكانت تستمتع بصداقة ابنتها الأولى لولوة، التي كبرت، والتي صاحبتها في دوامة المرض.. كانت صفحة الفن والشهرة تطوى تماماً في هذه اللحظات، وتتحول «جميلة الجميلات» إلى ذكريات مبهجة عن زمن الفوازير ومسلسلات «ألف ليلة وليلة» ومسرحية «شارع محمد علي».. لكنها لم تكن تعلم أنها ستدخل لحظة سحرية لتولد من جديد كامرأة، وتكتب صفحة جديدة في تاريخ وطنها تحت عنوان «ثورة الحرية»!

 

موقعة الجمل

في 25 يناير 2011 كانت شريهان تجلس أمام التلفاز تشاهد تظاهرات الشباب.. كانت تقلب القنوات بلهفة لتتابع ما يحدث.. وفي المساء كانت سعيدة وهي تستمع من ابنتها لولوة عن أصدقائها الذين تجمعوا في ميدان التحرير ضمن المتظاهرين وتناقشها في السياسة.. لكن قلبها خطف لحظة الاعتداء بوحشية على المتظاهرين لإخلاء الميدان منهم.. تقول شريهان: «يوم 26 يناير بدأت أركز وأتصفح الإنترنت لأعرف من هم هؤلاء الشباب؟ وكيف تجمعوا؟ وما هي أفكارهم؟ ويوم 27 فهمت مطالبهم وشعاراتهم.. ويوم 28 يناير في «جمعة الغضب» نزلت الشارع معهم».

كانت شريهان ترتدي ملابس عادية ونظارة سوداء ومعها ابنتها لولوة.. حرصت على ألا يعرفها أحد، وخرجت مع المتظاهرين من أمام مسجد مصطفى محمود.. وفي المساء، بعد أن انسحبت الشرطة، طالبت الجيش على الهاتف على إحدى الفضائيات بالحفاظ على مصر وناشدت المصريين بالتبرع بالدم للمصابين، وقالت: «لو دمي مش مسرطن كنت اتبرعت بيه للشباب المصاب».. وتالياً تحول ميدان التحرير الى قلب مصر النابض بالثورة وتحولت شريهان الى أيقونته.. أحد رموزه وشريان من شرايين توهجه.. فهي لم تنزل الميدان بعد أن انتصر لتأخذ صوراً فوتوغرافية تنحاز للشعب.. لكنها كانت في وسطه من اللحظات الأولى كمواطنة تسعى الى الحرية.. وكانت الصورة العامة للميدان لا تظهر ما في قلبه.

ففي معمعة معركة الجمل في 2 فبراير 2011 التي هاجم فيها مجهولون الميدان بالجمال والأحصنة لفضه، وما تلا ذلك من أحداث طوال الليل، أسفرت عن سقوط العديد من ثوار الميدان ما بين قتيل وجريح، أيضاً على أيدي مجهولين، وقفت شريهان تخطب فيمن صمدوا قائلة: «محدش يراهن علينا.. دي ثورة.. واللي يراهن على ان نفسنا قصير وحنسيب الميدان يبقي واهم فاسد.. ثورة ثورة حتى النصر.. ثورة في كل شوارع مصر».

وهتفت معها الجموع التي كانت إما مصابة ودماؤها تسيل، واما متعبة ومرهقة من الاشتباكات.. في اليوم التالي كانت قناة الجزيرة تنقل على الهاتف كلمات لشريهان تؤكد مواصلة الثورة حتى سقوط مبارك من قلب الميدان.

 

الثأر من عائلة مبارك

هنا تنبّه الجميع لوجود شريهان في الميدان.. وهنا بدأت حرب إعلامية عليها. بدأ البعض يحاول النيل منها بأنها نزلت الميدان لتثأر من عائلة مبارك، التي كانت وراء الحادث المأساوي الذي وقع لها في 1989، كما قيل - آنذاك - وقيل للمرة الأولى علانية إنها كانت على علاقة بعلاء مبارك وان سوزان مبارك دبرت لها حادثاً بإلقائها من شقة في الإسكندرية لتتخلص منها.. لكن البعض أكد قصة أخرى أن العلاقة كانت بين شريهان وجمال مبارك برعاية صفوت الشريف، وخشيت سوزان على الوريث فدبرت لها هذا الحادث.

على أن شريهان كانت مستغرقة في الثورة في الميدان، ولم تلتفت الى هذه الحكاية القديمة، وأطلقت على الفضائيات مقولة: «الشعب المصري رايح مشوار واحد.. للميدان»، لتفرح مع الجميع في ما بعد بتنحي مبارك، وتكتب على حسابها الشخصي بالفيسبوك: «مبروك لشعب مصر.. إن ينصركم الله فلا غالب لكم».

كان على شريهان أن ترد على السؤال الذي طاردها طوال أيام الثورة الــ 18، وهو: هل خرجت لتثأر لنفسها من عائلة مبارك؟ لكنها فضلت أن تؤجل الإجابة، والتزمت بالعمل لمصلحة الثورة. ففي الجمعة التالية لتنحي مبارك طالبت الجميع بالنزول إلى ميدان التحرير وعدم نسيان الشهداء والخروج بمسيرات لتحيتهم والاحتفال بالنصر، لأنهم من يستحقون التكريم. وفي 19 مارس 2011 أخذت تحشد مع الثوار للتصويت بــ «لا» للتعديلات الدستورية، التي أعدها المجلس العسكري. وهنا بدأت حرب جديدة على شريهان!

 

تشويه السمعة

فجأة امتلأ موقع يوتيوب على شبكة الإنترنت بمقاطع قصيرة لها بــ «المايوه» من عدة أفلام لها، على رأسها «العذراء والشعر الأبيض».. وأخرى لها وهي ترقص في مناسبات خاصة، منها حفل زواج الكاتب مدحت العدل.. كان هناك من يريد تشويه سمعتها بشكل ممنهج.. وتردد أن موقفها من سوء إدارة المجلس العسكري لحكم مصر في الفترة الانتقالية وراء هذه الحملة.

ثم زادت الحملة ضدها بالتحرش بها وهي خارجة من ميدان التحرير في مايو 2011 عبر مأجورين لتشويه الثورة، مما اضطرها عبر مكتبها الإعلامي الى اصدار بيان، تنفي فيه قصتها مع عائلة مبارك وتندد بمحاولة تشويه صورتها، وتشدد على أنها منحازة للثورة.. وأخذت تجيب بطرق مختلفة عن الأسئلة الصعبة في حياتها وانحيازها للثورة، فقالت: «ليس لي ثأر شخصي مع مبارك ونظامه.. انا فقط ثأري من أجل الشعب المصري، الذي ضربه حبيب العادلي في الميادين. عندما درست القانون في كلية الحقوق عايشت الاكتفاء الذاتي مع النظام السابق، لكنني لمست آلام القهر والظلم والقمع وقتل الأمل في داخل قلب كل مواطن.. أنا خلعت مبارك من قلبي يوم ما خرج يتعالج في المانيا بره بلده.. وخلعت الوريث من قلبي يوم ما ذهبت زوجته لتنجب في بريطانيا.. مفضلة الجنسية الإنكليزية على المصرية.. أنا تعرّضت للأذى بشكل شخصي في عهد مبارك في طفولتي من خلال قوانين الأحوال الشخصية».

لم تُشفِ ردود شريهان أحداً.. لكن مواقفها مع الثورة زادت إعجابهم بها، فقد استجمعت شجاعتها لتواصل مع القوى الثورية حملة «يسقط حكم العسكر»، وكانت في قلب الميدان معهم تضع الكمامة على وجهها في أحداث محمد محمود يوم 22 نوفمبر 2011، معركة «عيون الحرية»، ونبهت الجميع عبر قناة المحور مع المذيعة دينا عبدالرحمن: «الميدان به مجزرة للثوار والمتظاهرين».. وكانت في قلب المستشفى الميداني. ونشرت استغاثات أطباء المستشفى الميداني. وهو ما تلاه قبول استقالة رئيس الوزراء - آنذاك - عصام شرف، ومع خطاب المشير طنطاوي رئيس المجلس العسكري، الذي كان يدير الحكم كانت تهتف في الميدان «الله أكبر الثورة تكبر.. الشعب يريد إسقاط المشير».. وبعدها قالت: «ما فيش لوغاريتمات.. عاوزين عدل.. عاوزين كرامة.. ما فيش تغيير من 25 يناير.. الزمن وقف».

على أنها لم تهنأ بلحظة سقوط «حكم العسكر» مع تسليم الحكم للرئيس المنتخب محمد مرسي.. فهي أبطلت صوتها بالمرحلة الثانية من الانتخابات بعد سقوط مرشحها حمدين صباحي، وأقرت بنتيجة الانتخابات، لكنها اضطرت في ما بعد الى الخروج مع المتظاهرين عقب الإعلان الدستوري المكمل الذي أصدره مرسي في نوفمبر 2012 في تظاهرات حاشدة لقصر الاتحادية (مقر رئاسة الجمهورية) لتعلن بعدها أنها ضد حكمه.. وتهتف: «يسقط يسقط حكم المرشد».. وتوقع على استمارة «تمرد» من أجل انتخابات رئاسية مبكّرة وتتبرع بمقر رئيسي لحملة تمرّد.

 

ليدي غاغا والهوس

كسبت شريهان احترام الجميع.. وفي الوقت الذي أخذ العديد من الفنانين بعد الثورة يلهثون لرفع أسمائهم من القوائم السوداء المعادية للثورة.. كان الشباب يبحث عن أعمال شريهان لإعادة إحيائها والاحتفاء بها.. ووصل الهوس بها الى انتشار صور على الفيسبوك وتويتر في مارس الماضي توضح التشابه بين أزياء المطربتين الأميركيتين ليدي غاغا وبيونسيه مع أزيائها في الفوازير.. وبدا من الصور التشابه بين قبعات شريهان وليدي غاغا، حيث سبق أن ارتدت شريهان قبعة على شكل هاتف وأخرى على شكل ريش أبيض كثيف، وهي القبعة التي تشبه ما ارتدتها غاغا - إلى حد كبير - كما أظهرت الصور التشابه بين فستان شريهان الأسود ذي الفتحات الصغيرة في منطقة البطن والمزود بأحزمة ذهبية من أعلى، والفستان الذي ظهرت به غاغا وبيونسيه، ولا يزال الهوس بها مستمرّاً، لأنها انحازت للثورة والحرية.

 

في الحلقة المقبلة: ميادة.. من «نقمة» الحسن إلى «سقطة» السياسة


Viewing all articles
Browse latest Browse all 8691

Trending Articles