Quantcast
Channel:
Viewing all articles
Browse latest Browse all 8691

المعلومات سلطة خامسة

$
0
0

هناك «إنسان جديد» رأى النور، يقول الأكاديمي الفرنسي ميشال سيريس، إنه كائن لقبه بمؤنث «الإبهام الصغير»، نظرا لقدرته على بعث الرسائل الهاتفية القصيرة بواسطة إبهامه. إنه يمثل تلاميذ اليوم، الذين يعيشون في رحم تسونامي حقيقي، ناتج عن التحول الهائل الذي يعرفه العالم حولهما. نحن نمر بمرحلة تتميز بانقلاب كبير مماثل لنهاية الإمبراطورية الرومانية أو لعصر النهضة.

وعلى «الإبهام الصغير» أن يتأقلم بسرعة فائقة، سرعة تفوق تلك التي كانت مفروضة على آبائه وأجداده بكثير. إننا في حضرة تحول جذري يصحبنا ميشال سيريس بأحكامه القاسية على المؤسسات والأحزاب السياسية وكل ما تبقى من الآليات، التي هدفها انتخاب الرؤساء بلا مبادئ سامية. والمؤلف صادق، بحكم تجربته وصرامة أفكاره في حكمه على أزمة التدريس الحالية، وهو مصيب أيضا في نظرته إلى تحولات اللغة، وتحولات الفكر أيضا.

يستعمل العديد من الآلات الإعلامية العمومية أو الخاصة والإعلانات والشركات والسياسيين والجامعات والإدارات، والعلم أيضا، فرضية قديمة جدا تقوم على أن المتلقي إنسان غير كفء، وغير قادر على الاستيعاب والفهم أو التفكير، لذلك تراهم يفرضون قوتهم الكبيرة، عند التوجه لهؤلاء الذين يفترضون بأنهم حمقى، ويدعونهم «الجمهور العريض».

ويرى شباب الجيل الجديد بأن هؤلاء الديناصورات الكبار، الذين يسيطرون على مساحات كبيرة، هم في طريق الانقراض ويجهلون بأن جيلا من الكفاءات الجديدة بدأت أعداده بالتضاعف منذ فترة.

ولو أن فتاة الجيل الجديد فتحت أي موقع الكتروني جيد على الشبكة العنكبوتية، لوجدت الكثير من المعلومات حول الموضوع الذي تبحث عنه، ولاستطاعت معالجته واتخاذ القرار السليم بشأنه، مثلها مثل أي مدير أو صحافي أو مسؤول أو منتخب أو طالب أو مريض أو عامل أو موظف أو مسافر أو مراهق أو طفل، باختصار مثلها مثل أي مواطن أو مواطنة أو حتى الرئيس.

 

مصادر جديدة للمعرفة

ويعترف الكثير من المختصين في الأورام بأنهم تعلموا الكثير من مدونات النساء المصابات بالسرطان، مقارنة بما تعلموه خلال سنوات الدراسة في الجامعة.

والمختصون في التاريخ الطبيعي، لن يستطيعوا أبدا تجاهل ما يطلعهم عليه المزارعون الاستراليون حول سلوكيات العقارب وتحركات احد أنواع الغزلان.

هذه المشاركة تجعل كل شيء متناظرا، سواء تعلق الأمر بالتعليم أو العلاج أو العمل، لان المعلومة أصبحت تنتقل من الضفتين بهدوء وبتوافق.

قبل 20 عاما، كنت مختصا في الابستمولوجيا، إنها كلمة كبيرة وتعني أني كنت ادرس طرق العمل ونتائجه، محاولا أحيانا الحكم عليها. كان عدد من يدرس هذا العلم قليلا جدا في العالم في تلك الفترة.

وبعد نصف قرن، أي فتى من الجيل الجديد الذي تراه في الشارع، بمقدوره أن يفصل في موضوع الطاقة النووية، والمواد المعدلة وراثيا والكيمياء وعلم البيئة. وبينما لا ادعي أبدا إلمامي بهذا العلم، أصبح الجميع اليوم مختصا في الابستمولوجيا وتعني «نظرية المعرفة».

تقول فتاة الجيل الجديد، هناك من يرى نفسه الأكفأ. كان على الديموقراطية التي تمنح حق التصويت للجميع، أن تحرم من يرتكبون الفضائح ولكنها تمنح هذا الحق للجميع، العاقلون كما المجانين والجهلة كما المتعلمين.

ان المؤسسات الكبرى التي ذكرتها، والتي ما تزال تحتل حجما مما نسميه المجتمع، تفقد يوما بعد يوم قوتها، من دون أن نفكر في تجديدها.. هذه المؤسسات الكبيرة تجمع النجوم التي نتلقى الضوء منها، لكن حسابات الفيزياء الفلكية تشير إلى أنها أفلت منذ فترة طويلة.

 

المعرفة عامة

ولأول مرة في التاريخ، أصبح بمقدور الجمهور والأفراد والأشخاص وفتاة الجيل الجديد الوصول إلى المعلومة والمعرفة والقدرة على اتخاذ القرار، مثلهم مثل هؤلاء الديناصورات الذين ما يزالون يستخدموننا كعبيد خاضعين.

ومثل المايونيز تنتظم هذه الكائنات الدقيقة وحيدة الخلية ببطء، الواحدة تلو الأخرى لتكون جسدا جديدا، لا علاقة له مع الهيئات الرسمية والمفقودة. هذا التكون البطيء سينهار فجأة مثلما ينهار الجليد، وسنقول اننا لم نر الحدث من البداية.

هذا الانقلاب يمس أيضا الجنسين، لأننا نشهد منذ بضعة عقود انتصار النساء، إنهن أكثر عملا وانضباطا في المدرسة والمستشفى والشركة، مقارنة بالذكور المهيمنين والمتغطرسين.

لهذا السبب عنونت كتابي «طفل الانترنت والهاتف المحمول». إنه يتعلق بالثقافات أيضا، لأن الشبكة العنكبوتية تشجع تعدد التعابير والترجمات الأتوماتيكية، بينما خرجنا للتو من عصر سيطرت عليه لغة واحدة، وحدت الأفكار في وسط يتميز بالرداءة وعدم التجديد.انه كتاب يتوجه لجميع المجتمعات والفئات المنتجة والصناعية وحتى اللغوية والثقافية.

هنا التنقيط العام، وهنا الاقتراع العام من اجل ديموقراطية عامة. كل الظروف مجتمعة من اجل ربيع غربي، إلا أن السلطات التي تعارض قيام ذلك، لا تستعمل هنا القوة وإنما المخدرات. هذا مثال مستخلص من حياتنا اليومية: لقد فقدت الأشياء أسماءها المشتركة لتترك المجال لأسماء الماركات. والأمر ذاته يسري على كل معلومة، بما فيها المعلومة السياسية، التي يتم إطلاقها في الساحات المضيئة، لتحارب آخرين من دون أن يكون لذلك علاقة بالواقع.

لقد حول المجتمع الكفاح الذي كان شديدا في السابق بفضل متاريسه وجثثه إلى كفاح من اجل التخلص من السموم، لتطهير أنفسنا من الحبوب المنومة التي توزع هنا وهناك.

 

الأمور المعقدة والفوضى

يحاول المديرون أحيانا توجيه تعليمات للتخفيف من التعقيدات الإدارية، لكنها تتضاعف. في الواقع أي محاولة للتبسيط والتسهيل تنتهي بالتعقيد.. كيف نحلل هذا؟

في تاريخ العلوم يدل التعقيد على عدم استعمال الطريقة الجيدة وهو ما يستدعي تغيير المنهج.

أصبح التعدد يميز مجتمعاتنا حيث الفردية ومتطلبات الأفراد والمجموعات وحركية المواقع الالكترونية في تزايد. كل واحد اليوم، أصبح ينسج قواعده المبسطة الخاصة به وينتقل من واحدة لاخرى. لقد تزايد انتشار التعقيدات، لكن لها ثمنا كبيرا: لقد تضاعفت طوابير الانتظار والزحمة في الطرقات وصعوبة فهم القوانين التي قللت اعدادها من حجم الحرية.. اننا ندفع دوما هذا الثمن من المال الذي نجنيه.

هذا الثمن الذي ندفعه هو من جهة اخرى مصدر من مصادر السلطة. من هنا يشك المواطنون في ممثليهم لأنهم لم يعملوا على تخفيف العبء عنهم بل ضاعفوه.

 

سلطة المعلومات

هل ستختفي هذه التعقيدات في يوم ما؟ ستتضاعف لان كل واحد مستفيد من الراحة والحرية التي تمنحها إياه، تميز هذه التعقيدات، الديموقراطية. ولخفض التكلفة، ما علينا سوى ان نريد ونعرب عن رغبتنا في خفض التكلفة والتغيير. يمكن لبضعة مهندسين حل المشكلة من خلال إلغاء كل النقاط السوداء التي تعرقل العمل عل مستوى نظام الإعلام الآلي ووضع برنامج يسمح، مثلا، بإصدار جواز سفر افتراضي وصالح للطبع والاستخدام لبضعة أشهر فقط.

علينا أن نفكر يوما في وثيقة جديدة تحمل كل معلوماتنا. في الوقت الراهن معلوماتنا الشخصية موزعة في عدة بطاقات تابعة لعدة مؤسسات بعضها حكومي والبعض الآخر خاص.

ففتاة الجيل الجديد مواطنة وزبونة وتتردد على مؤسسات الدولة والبنوك والمتاجر الكبرى، وتستخدم الكثير من المعلومات التي تتوافر عليها بطاقاتها الكثيرة.

هذه مشكلة سياسية وأخلاقية وقضائية، ستحوّل حلولها، أفقنا التاريخي والثقافي، ويمكن أن ينتج عنها تجمع سياسي واجتماعي تحكمه سلطة خامسة هي سلطة المعلومات، سلطة مستقلة عن السلطات الأربع الأخرى وهي السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وسلطة وسائل الإعلام.

لكن ما الاسم الذي ستختاره فتاة الجيل الجديد لطباعته على جواز سفرها؟

 

حركة الإبهامين

لاحظوا الآن فتاة الجيل الجديد وهي تداعب هاتفها بإبهاميها سواء لإجراء بحث على محركات البحث أو لإرسال رسالة. هذا السلوك وهذه العملية اليدوية ما كنا نستعملها في السابق في المدارس إلا في العمليات البسيطة في علم الحساب، لكنها اليوم في عمق المعرفة والتقنيات.

إنها تصل بهذه الحركة إلى المئات من الصفحات وتستخدم تقنية «جي بي أي» وكل هذه العمليات تتطلب استنباطا واستخلاصا يختلف عما كان عليه الأمر في السابق.. إنها طريقة المعرفة الجديدة التي لا تستند إلى فكر وإنما الى وسائل.

 

المجالان الحسي والملموس

لقد سبق الفكر الخوارزمي اختراع الهندسة في اليونان، وبرز مجددا في أوروبا مع باسكال وليبينيز اللذين اخترعا آلتين حاسبتين وكانا مثلهما مثل فتاة الجيل الجديد يحملان اسمين مستعارين.

هذه الثورة وقعت بعيدا عن أعين الفلاسفة، وغذتها العلوم والآداب. لقد أصبحت العلوم منذ تلك الفترة المعرفة الجديدة التي تطورت مع تطور الطب والقانون اللذين، كانا حريصين، كلاهما، على جمع القضاء مع علم القضاء، والمريض مع المرض والعالمي مع الخاص، ما ساعد على التطور.

أصبح العديد من الطرق الفعالة يستخدم حلولا حسابية ورثت في معظمها من فترة ما قبل اليونانيين او من الخوارزمي، هذا العالم الفارسي الذي يكتب بالعربية وليبينيز وباسكال.

هذه الثقافة غزت اليوم مجال الحسي والملموس، لتفقد بذلك الآداب والعلوم معركة قديمة بدأت من عصر اليونانيين.

 

صورة مجتمع اليوم

في أزمان سحيقة استطاعت مجموعات بناء جنائن بابل المعلقة، واستطاع المصريون القدامى تشييد الأهرامات والمعبد والزقورة. وذات صباح جميل تمكن مجموعة من البشر في باريس من إرساء أعمدة حديدية بطول 300 متر ما سمح بإقامة برج ايفل على احد ضفاف نهر السين.

لم تتغير أهرامات مصر ولم تتأثر صخورها ولا حالتها العامة بالرغم من مرور آلاف السنين، مثلما لم يتغير برج ايفل وحديده، وبين عملاق الصخر وديناصور الحديد لم نلحظ أي تغيير، بينما تغيرت الكثير من نماذج السلطة بفضل عدة متغيرات أبرزها دينية وعسكرية واقتصادية ومالية، لان من يمتلكها دوما واحد او مجموعة متحدة حول المال او القوة العسكرية.

ولن يغير القرار الديموقراطي شيئا في هذا المخطط..

أنا وميشال اوتييه، وهو مصمم بارع، كنا نرغب في إشعال النار او غرس شجرة قبالة برج ايفل على الضفة اليمنى لنهر السين.

كل واحد منا فتح كمبيوتره الشخصي الذي دخله بجواز سفره الخاص وبهويته الرمزية وأشعل بطريقة افتراضية النار أمام برج ايفل ثم غرس شجرة نمت بسرعة وأصبحت أعرافها تتراقص وتتمايل على وهج النار.

وقبالة البرج الجامد، كان هناك الآلاف؛ بعضهم يرقص والبعض الآخر يقرأ كتابا.. مجتمع اليوم يستخرج آلاف اللغات من النار، هذا الوحش الذي كان يخيف في الماضي.

منذ الأهرامات والى غاية برج ايفل ما تزال الدولة مستقرة وما تزال الأشجار مستعرة.

ستبقى فتاة الجيل الجديد في باريس، لكني سأراكم بخير انتم الاثنين، أشعلوا انتم أيضا هذه الشجرة على ضفاف الراين لترقص مع صديقاتي الألمانيات وتغني مع زميلاتي الايطاليات على طول نهر الدانوب الأزرق، وعلى ضفاف البلطيق وعلى البحر الأبيض المتوسط والأطلسي وعند الأتراك والايبيريين والمغاربة والكونغوليين والبرازيليين.

 

(انتهى)


Viewing all articles
Browse latest Browse all 8691

Trending Articles