
أصبحت مسرحية «طقوس الإشارات والتحولات» للمسرحي السوري الراحل سعدالله ونوس أول نص عربي يترجم للغة الفرنسية، تقدمه فرقة مسرحية فرنسية هي كوميدي فرانسيز على مسرح جيمناز في مرسيليا بين 29 ابريل و7 مايو الجاري.
ومن المقرر أن تعرض المسرحية التي يخرج نسختها الفرنسية المخرج الكويتي سليمان البسام بعد مرسيليا في قاعة ريشيليو بباريس في الفترة الممتدة بين 18 مايو و11 يوليو.
لم يكن اختيار مرسيليا لإطلاق أول عرض لهذه المسرحية اعتباطيا، فمرسيليا هي عاصمة الثقافة الأوروبية، فيما لم يكن اختيار النص عشوائيا أيضا، فسعدالله ونوس هو ابن البحر الأبيض المتوسط ونتاج خليط ثقافات، انصهرت فأبدع وتميز. فونوس ولد في سوريا عام 1941، ثم درس المسرح في فرنسا.
تسكن الرمزية نص المسرحية التي كتبها سعدالله ونوس في عهد حافظ الأسد، قبل ثلاثة أعوام من وفاته، أي في عام 1994، كما تُبرز بشكل جلي الواقع السوري، الذي نعيش اليوم مفرزاته.
وفي هذه المسرحية نفكر ونستمع أيضا إلى بلاغة ونوس، وكيف عالج في نصه جملة من الفضائح الجنسية والمالية، والمجتمع الفرنسي ليس غريبا عن مثل هذه الفضائح، فالفضائح الجنسية للمدير العام السابق لصندوق النقد الدولي دومينيك ستاوس كان، والرشى التي تلقاها وزير الداخلية السابق كلود غيان، كلها أثارت ردود فعل كبيرة خلال الفترة الأخيرة في فرنسا.
نص متحرر وعلماني
وعن أسباب اختيار نص سعدالله ونوس يقول دومينيك بلوزيه مدير مسرح جيمناز: لقد اخترنا هذا النص قبل فضيحة دومينيك ستراوس كان وقبل الربيع العربي،
كان ذلك في بداية عام 2011، حيث استشار بلوزيه المدير العام للمسرح الفرنسي مورييل مايات التي اقترحت عليه نص سعدالله ونوس،الذي عرض مرتين فقط في سوريا قبل منعه من قبل الرقابة.
توفي سعدالله ونوس متأثرا بمرض السرطان في عام 1997، وهو واحد من الكتاب الكبار والمرموقين في العالم العربي، حيث تمت دراسة العديد من نصوصه الشهيرة التي تعرض البعض منها للرقابة والمنع، كل هذه الأسباب مجتمعة دفعت بلوزيه لانتهاز الفرصة، ودعوة فرقة كوميدي فرانسيز لتنفيذها.
ويقول المخرج سليمان البسام: إن اختيار نص «طقوس الإشارات والتحولات» حكيم جدا ومثير جدا بالنسبة للممثلين الذين تمت دعوتهم للعب ادوار في هذه المسرحية، ويقول الممثل الفرنسي دنيس بوداليداس: إن أول ما قاله البسام لنا، هو أن نوافذ البيوت الدمشقية لا تطل أبدا على الخارج، إنها هندسة معمارية فريدة من نوعها، تكشف عن تفشي ثقافة الكتمان والاختناق والزيف.
لقد طغى الأصفر والأبيض والأسود على ديكور المسرحية، حيث تم استلهامها من الداجيروتيب، وهي طريقة بدائية في التصوير اخترعها الكيميائي الفرنسي لويس داجير في عام 1839.
ويعترف بوداليداس في الوقت ذاته بتأثر ونوس ببريخت وشكسبير، فالنص يعالج قبل كل شيء القمع الذي يتعرض له المجتمع.
ما وراء الحدود
وأما ابرز وأقوى الشخصيات في المسرحية، فهما سيدة ورجل مثلي، يفجران الحقيقة ثم يثوران، ويقول بوداليداس: هناك العديد من الأمثلة، ويبدو هذا المثال ساذجا، لكنه يعكس التزاما بفكر علماني ومتحرر، كما يعبر عن حالة من التعب التي تسكن صاحبها، لأنه داخل مجتمع مقموع.
ويشير بوداليداس إلى أن سعدالله ونوس كتب هذا النص وهو يدرك بأنه مريض «دون شك كان يعتقد بأنه لا يملك الكثير من الوقت، إننا نستشعر من خلال نصه رغبته في إسماع صوته إلى ما وراء الحدود».
قصة المسرحية
وتنطلق المسرحية من حادثة تاريخية استلهم منها الراحل ونوس نصه، وكان أوردها فخري البارودي في مذكراته «تضامن أهل دمشق»، عندما يدبر مفتي دمشق خلال الحكم العثماني، القبض على نقيب الأشراف متلبسا في وضع فضائحي مع إحدى المومسات.
لكن المفتي يتنبه إلى فضيحة سجن نقيب الأشراف مع تلك المومس، وما يلحقه ذلك من أذى لسمعة الأشراف الذين يستمد المفتي سلطته من موقعهم واحترام الناس له، ولذلك يستبدل زوجة نقيب الأشراف بالمومس لتدارك الفضيحة، إلا أن ذلك الإجراء يبدل في مصائر شخصيات العمل الأساسية.
ويتطرّق النص أيضا إلى الحياة الجنسية للمرأة، والفساد الديني والمثلية الجنسية، وإساءة معاملة خادمات المنازل والصوفية وجريمة الشرف، والتقاليد الحكواتية العربية، والتحوّل الشخصي، وتبدّل أدوار الرجل والمرأة في العالم العربي.
وكانت السلطات السورية قد أوقفت في عام 2009 عرض مسرحية «طقوس الإشارات والتحولات» في مدينة حلب، بعد اعتراضات من قبل بعض رجال الدين على ما اعتبروه «إساءة ومساسا تضمنتها المسرحية بحق القيم والرموز الدينية»، رغم أنها عرضت من قبل في حماة ودمشق دون أن تخلف أي اعتراضات.
وقد أخرج المسرحية في نسختها السورية المخرج الفرنسي السوري وسام عربش وعرضت في مصر ولبنان وفي أوروبا على يد عدة مخرجين غير سوريين، منهم المخرجة اللبنانية نضال الأشقر والالمانية فريدريكه فيلدبك والأردني زيد مصطفى.
.. وبالإنكليزية
وكان الأستاذ في الجامعة الأميركية في بيروت روبرت مايرز، قد اختير في عام 2012، ضمن مجموعة نالت منحة بخمسين ألف دولار من مؤسّسة ماكارثر لترجمة مسرحية طقوس الاشارات والتحولات إلى الإنكليزية وإنتاجها في بيروت وشيكاغو.
ويتقاسم مايرز، وهو كاتب مسرحي ومؤلّف يُدرِّس اللغة الإنكليزية والكتابة الإبداعية في بيروت، المنحة مع ندى صعب، الأستاذة المشاركة في الأدب المقارَن في الجامعة اللبنانية- الأميركية، ومع كلٍّ من الجامعة الأميركية في بيروت والجامعة اللبنانية - الأميركية، ومسرح Silk Road Rising Theater في شيكاغو.
عن لوجورنال دو ديمانش