
ينظر الروائي السعودي إبراهيم شحبي إلى التجربة السردية في المملكة بكثير من الرضا، ويقول انها تجاوزت مرحلة البدايات واثبات ذاتها إلى مرحلة الانتشار عربيا وعالميا وحصد الجوائز الأدبية، كما يرى ان موضوعاتها قاربت شتى الجوانب من الاجتماعي حتى السياسي، كما يظهر في روايات عبد الرحمن منيف، وتركي الحمد، وعلي الشدوي أخيرا.
في هذا الحوار يتحدث إبراهيم شحبي عن مستوى النقد في السعودية ومدى تجاوبه مع الحركة السردية التي أخذت تتكثف بصورة واضحة خلال السنوات الأخيرة، كما يتحدث عن سلطة المتلقي على الروائي، وإشكالية التأويل الخاطئ لنصوص الروائيين من قبل المجتمع.
النقد والرواية
● التجاوب النقدي مع الرواية السعودية سواء محليا او عربيا.. هل تراه في حده المأمول في الوقت الحالي؟.
- تجاوب النقد مع الإبداع الروائي السعودي أقل بكثير من التجربة لتكاثر المنجز الروائي في السنوات الأخيرة، بينما توقف النقد لدينا في الغالب عند إنتاج مجموعة من الرموز من أمثال «تركي الحمد والقصيبي وعبده خال ورجاء عالم ويوسف المحيميد» وبعض مجايليهم، إلا أن بعض الكتابات النقدية التي التفتت إلى روايات غير المشاهير مثل كتابات الناقد محمد العباس ود. حسن النعمي وبعض الشباب المهتمين بدراسة الرواية السعودية، أزالت بعض التكريس الذي نذر بعض النقاد نقدهم له، كما ساهم بعض الشباب من كتّاب الرواية بلفت نظر النقد لإبداعهم كما فعل محمد حسن علوان وطاهر الزهراني وآخرون.
أما النقد العربي فهناك من بذل جهوداً مشكورة من الإخوة النقاد العرب المقيمين بيننا لقراءة روايتنا السعودية، ومنهم محمد الشنطي، ود. حسين المناصرة، وعبد الله السمطي، ود. أحمد صبرة، وآخرون.
وليس بالضرورة أن يكتب النقاد عن كل الأعمال الروائية فقد تكفي دراسة التجارب المميزة، وإلقاء الضوء على الظاهرة عندما تتشكل، ذلك أن الإبداع نهر متدفق يصعب على النقد الإحاطة به.
ملامسة السياسي
● إلى أي حد ترى أن الروائيين السعوديين استطاعوا أن ينجزوا إبداعا روائيا يتماس مع السياسة، أو بشكل مباشر.. انتاج روايات سياسية؟.
- في رأيي لا توجد روايات سعودية سياسية بالمعنى الشامل أبعد من «مدن الملح» لعبد الرحمن منيف، على الرغم من اعتماده على ترميز الأسماء، أما ما كتبه القصيبي خاصة في «شقة الحرية» وما بثه في ثنايا رواياته بعد ذلك فقد كان مزيجاً بين السياسي والاجتماعي مع أنه كان أقدر الكتاب على إنجاز عمل سياسي متكامل بحكم قربه من المحيط السياسي، ذلك القرب الذي جعله في جل أعماله لا ينفك عن بث الأفكار المتماسة مع السياسي، وعلى منوال ذلك جاءت ثلاثية «أطياف الأزقة المهجورة» لتركي الحمد التي لامس فيها تابوهات «السياسة والجنس» فكسر حاجزاً كان يقف أمام بعض كتّاب الرواية، وتعد رواية علي الشدوي «شرقيون في جنوب الجزيرة» الصادرة حديثاً من الروايات التي لامست السياسي بشكل واضح.
مصلح أم روائي؟
● الهم الاجتماعي هل تراه الغالب على الإنتاج الروائي السعودي وأن الروائيين يحاولون تقديم أنفسهم كمصلحين اجتماعيين؟.
- لا شك أن الهم الاجتماعي على وجه الخصوص هيمن على مساحة واسعة من فضاء المنتج الروائي السعودي، وليس ذلك من أجل الإصلاح بقدر ما هو تعبير عن الواقع، وحاجة الكاتب إلى التعبير تبدأ من هم الذات وتستدعي كلما هو محيط بها اجتماعياً، ولأن الرواية «فن موجه إلى العام والموضوعي في الحاضر والمستقبل فهي بذلك تستدعي الكشف وتتطلب الرؤية».
● المرأة هل تمثل ركنا اساسيا في المنتج الروائي في المملكة (نقصد الحضور في العمل الروائي)؟.
- نعم: تشكل المرأة حضوراً واسعاً، أو على رأيك ركناً أساسياً في الرواية السعودية، ذلك لأن الرواية تاريخ المجتمع والمرأة أهم ركن فيه ولا يمكن بحال كتابة رواية لا تكون المرأة من أهم شخصياتها، أو المحرك الفاعل في فضاءاتها.
حضور مكرّس
● الرواية السعودية الحالية هل هي في طور التطور أم التحول.. بالنظر الى الروايات الصادرة خلال العقدين الأخيرين؟.
- قبل عشر سنوات سألتني مجلة الأهرام العربي في عددها 123 الصادر في 20 أغسطس 2003م: هل المناخ مناسب لإنتاج رواية سعودية أو خليجية تصل إلى القارئ العربي؟ وكانت إجابتي أن روايتنا حاضرة ولا ينقصها عدم اعتراف بعض المثقفين العرب بها.
واليوم تسعى الرواية السعودية إلى تكريس حضورها كمنتج إنساني شامل من خلال تعاملها مع مختلف الظروف والتحولات، بعد أن تجاوزت مرحلة الحضور عربياً وحصولها على المراكز الأولى في التقويم من خلال «البوكر» أو الحضور في المشهد العربي من خلال المعارض الدولية، وتسابقت دور النشر العربية على إصدارها وتسويقها، وأصبحت في السنوات الأخيرة تتصدر قوائم النشر والمبيعات، وتشق طريقها نحو الترجمة، لذا يمكن القول إنها تتطور، وفي سياق التطور يحدث التحول في مضامين الكتابة بحسب التحول في المفاهيم الاجتماعية وتنامي رؤية الكاتب، كما يحدث في إي فن آخر وفي أي مجتمع، ولأن الرواية بحسب واسيني الأعرج «أكثر الأشكال الفنية جرأة ولا مقدس لديها، بما في ذلك شكلها الخارجي الذي يتحول باستمرار بنيوياً تاركاً مكاسبه الأولى وفتوحاته للتاريخ».
واقع مأزوم
● الرواية السعودية في نظر الكثير من المثقفين العرب تعكس واقعا اجتماعيا محليا مأزوما.. الى أي حد تتفق مع هذه النظرة التي يبدو ان لها وجاهتها من خلال الاطلاع على المنتج الروائي في الآونة الأخيرة؟
- الواقع السعودي ليس أسوأ حالاً من الواقع العربي، ولهذا فالواقع المحلي المأزوم هو واقع عربي تتفاوت فيه المسببات وتتقارب فيه النتائج، ولا يضير الرواية كفن اشتغالها على أزمة المجتمع، بل هو دورها من خلال تعرية السلبي، وكشف المستور المتدثر بأغطية زائفة تعيق كل ما هو جمالي وإنساني، وقد كان المجتمع السعودي ينفرد بأزمة هيمنة الرأي الواحد الذي يقمع المختلف معه باسم الدين، ويكيل له التهم بدون خوف من رادع أو عقاب، وأصبحت هذه الأزمة بعد ما سمي بالربيع العربي تسيطر على أغلب البلدان العربية.
● هل يصح أن ننظر الى الرواية في المملكة باعتبارها سجلا تاريخيا بالتطورات التي لحقت بالمجتمع، خاصة في فترة ما بعد الطفرة النفطية؟
- كل عمل روائي في العالم هو سجل تاريخي يعكس الحال التي تحيط بالكاتب ومجتمعه، وما يكتنف تلك الحال من تطور أو تراجع، سواء على المستوى الفردي أو الجمعي، المكاني والزمني، وهنا فالرواية في المملكة رصدت الكثير من التحولات الاجتماعية بعد الطفرة النفطية وقبلها.
نقد لاذع
● كيف كان التعامل النقدي في المملكة مع إنتاجك الروائي؟
- لا يوجد تعامل نقدي بالمعنى العلمي مع انتاجي الروائي إلا مع رواية «أنثى تشطر القبيلة» حيث تناولها مجموعة من النقاد بنقد لاذع، ووصفها البعض بمقولات موجزة على أنها من أضعف ما كُتب في الرواية السعودية، أما رواية «السقوط» فقد قرأتُ عنها بعض الإشارات والكتابات المشجعة، وتظل رواية «حدائق النفط» بعيدة عن تناول النقد لكونها لم تصدر إلا قبل أشهر.
إسقاط
● يسقط المجتمع المحافظ العمل الادبي للكاتب على واقعه الشخصي.. الى حد توجست من ان تؤول احداث رواياتك على واقعك الشخصي، فكيف تخلصت من عواقب تأثيره على مشروعك الأدبي؟.
- في القراء من يسقط الأعمال الأدبية على واقع كتابها، وحين نأخذ بطل الرواية ونحاكمه على أنه شخص الكاتب كمن يرى مثلاً «مولود» في «أنثى تشطر القبيلة» أنه الكاتب ويقرأ «هشام العابر» على أنه تركي الحمد، و«فؤاد» في شقة الحرية بأنه غازي القصيبي، فإن هذا الصنف من القراء يرى أن العمل الروائي هو سيرة الكاتب، والبطل هو شخصه، والأحداث أحداثه.
شخصياً: لم تؤثر تلك الرؤية في مشروعي الأدبي، وأعتقد أنها لا تؤثر على الكاتب بقدر تأثيرها السلبي في القارئ الذي يختزل فضاء العمل الروائي وأحداثه في حياة الكاتب، لما في ذلك من تحجيم للبعد الإنساني في الرواية.