
مع بدء استخدام الهاتف، من الطبيعي أن تنجذب إليه وتستخدمه بشكل متكرر وكبير خلال أول أيام من اقتنائه، فهو أمر جديد ومثير، يوفر لك مجالا زخما من التواصل مع مختلف الاشخاص ومعرفة ما يحدث لهم ويوفر لك أيضا مدخلا لكل المعلومات التي تطرأ على بالك. بيد أن تكرار الولوج والتحقق من هاتفك أكثر من 300 مرة في اليوم، يعتبر (بحسب الخبراء) نوعا من أنواع الإدمان. فالإدمان تعريفا هو تكرار أداء عمل بشكل قسري (تشعر بأنك ملزم، ولا يمكنك منع نفسك) ويسبب اضطرابا في حياتك اليومية.
حذّر باحثون من قسم الإدمان في عيادات بريوري كلينك للعلاج النفسي البريطاني، من ظهور نوع جديد من الإدمان بسبب الهواتف الذكية نتيجة تكرار استعمالها. وقالوا: «إن التعوّد على التحقق من الهاتف في كل حين وإرسال الرسائل قد يتحول إلى نوع من الإدمان يصعب علاجه».
ولوحظ أن المصابين بهذا النوع من الإدمان يقضون أكثر من سبع ساعات يوميا في التحقق من الهاتف وكتابة الرسائل النصية وإرسالها، وكشفت الدراسة أن المستخدم العادي يتحقق من جهازه 35 مرة في اليوم، ويستغرق في المعدل مدة 30 ثانية في كل منها. وتزداد الفترة عندما تكون هناك مكافأة، مثل وصول رسالة مهمة أو اكتشاف معلومة مثيرة لتصل إلى عدة ساعات يوميا.
كما بين بحث لخبراء في علم النفس من أميركا أن استخدام هذه الهواتف قد يسبب تعطيلا أو فوضى للحياة الاجتماعية والعملية.
وعلق أحد الباحثين: «إمساك الهاتف في كل لحظة وحتى أثناء المحادثات بين الأسرة، للتحقق من وجود رسالة جديدة لك، يعتبر أمرا غير طبيعي. كما أن عدم التحدث إلى صديق أثناء تناول الغداء معه بحجة أنك تريد كتابة رسالة في الفيسبوك لا يعتبر سلوكا سليما».
عادة التحقق
بحسب دراسة نشرتها دورية «التعامل الشخصي مع الكمبيوتر»، فالأشخاص ليسوا مدمنين على الهواتف الذكية، ولكنهم مدمنون على عادة التكرار والتحقق من الأخبار الجديدة التي يطورها الهاتف. وبينت الدراسة أن بعض البيئات تحفز هذا السلوك، مثل أن تكون متململا أو تشعر بالوحدة، أو تريد من يخفف عنك شعورا بالحزن.
وعلق الباحث الدكتور كارل سميث: «بينت الأبحاث حقيقة مهمة، وهي أن البشر لديهم رغبة عميقة وغريزية لمعرفة كل شيء يحصل من حولهم. وهذه الغريزة هي التي من الممكن أن تكون السبب في بقائنا خلال سنوات الغاب. وأعتقد أن هذا هو سبب تصرف الأشخاص بطريقة قسرية عند استخدامهم للهواتف النقالة. فلا يمكنهم تحمّل فكرة أن هناك معلومة جديدة أو أمرا جديدا لم يطلعوا عليه بعد. وفي الحقيقة، فالقليل يمكنهم محاربة والتغلب على هذا الشعور. لذا، قد يكون الحل هو التخلص من هذه الأجهزة والعودة إلى استخدام الهاتف النقال غير المجهّز بالإنترنت».
قصور فكري
بالإضافة إلى كونه يسبب سلوكا قسريا وإدمانا، فقد بينت عدة دراسات أن هذه الهواتف تسبب تدهورا وقصورا فكريا أيضا.
وعلق أحد الخبراء: «يحمل بعض الأشخاص هواتفهم النقالة معهم طوال الوقت، من لحظة استيقاظهم إلى لحظة نومهم. ويمكن القول إنها مصممة كبيئة تعيق وتعترض سير حياتنا. وهذا الجهاز الإلكتروني يسرق منا فرصة الانتباه والتركيز على مجريات ومخرجات حياتنا اليومية، والانجذاب والاتصال مع حبل أفكارنا».
ومن جانب آخر، بينت دراسة أن من يكثرون استعمال الهاتف يتصفون بالسطحية في التفكير وقلة القدرة على التركيز. ونشرت البروفيسورة بارلو في كتابها «النوم مع الهاتف النقال» دراسة مفادها بأن رجال الأعمال ممن يأخذون أوقاتا مستقطعة، وبعيدا عن هواتفهم النقالة يختبرون ارتفاعا في تواصلهم وإنتاجيتهم في العمل والقدرة على الابتكار.
كما لوحظ أن تطبيق هذا الأمر على الموظفين يزيد من إنتاجيتهم وتواصلهم الفعال ورضاهم الوظيفي.
استراتيجية فعالة
وبعد استمرار هذه الدراسة لمدة 4 سنوات، سجلت بارلو أن %86 من الموظفين في مكاتب الشركات التي أجريت فيها أبحاثها، اختاروا الانضمام إلى برنامج الانقطاع لعدة ساعات عن الهاتف يوميا لما اختبروه من تحسّن في اتزان حياتهم الاجتماعية والعملية.
كما سجلت عدة أبحاث بأن أتباع هذه الاستراتيجية يزيد من تركيز الأشخاص ووعيهم بما حولهم، وأنهم يكونون أكثر راحة واسترخاء.
انقطاع تدريجي
وبينت البروفيسورة بارلو أن الأمر يجب أن يحصل بطريقة تدريجية. وقالت: «ابدأ هذا الانقطاع بشكل تدريجي. فانفصل عن هاتفك لمدة ربع ساعة في أول يوم، ثم تابع زيادة وقت الانفصال يوميا ليتدرج من نصف ساعة إلى ساعة وإلى أن تصل إلى ساعتين وأكثر. ولا تتحقق من جهازك خلال هذه الفترة، إلا إن كان هناك اتصال أو أمر طارئ».
حتى لا يصبح عائقا لحياتك
يقترح عليك الخبراء هذه الإرشادات للتحكم باستخدام الهاتف، حتى لا يصبح عائقا لحياتك أو سببا للإدمان:
- كن واعيا بالظروف والعواطف التي تجعلك تكثر من التحقق من هاتفك بشكل مستمر. فهل هو الملل، الوحدة، القلق، أو شيء آخر؟ وتعامل معها بشكل فعّال.
- كن قوياً عندما تسمع تنبيه التلفون، فليس عليك الرد على تنبيهات الهاتف دوما. وكحل مناسب، يمكنك تفادي ردة الفعل هذه من خلال إغلاق خدمة التنبيهات.
- تحلى بضبط النفس ودرِّب نفسك على عدم استخدام الهاتف في المواقف الخاصة، كأن تكون مع أسرتك أو في اجتماع أو خلال ساعات معينة مثل ساعات النهار. وستفاجئك هذه المسألة، لأنك ستكتشف متعة أن تكون مسيطرا على حياتك وأن تكون حياة خالية من المقاطعة.
- يجب عليك الالتزام بعدم استخدام الهاتف أثناء القيادة أبدا.