Quantcast
Channel:
Viewing all articles
Browse latest Browse all 8691

قطر.. ليست الجزيرة

$
0
0

ورشة عمل.. بهاتين الكلمتين وصفت قطر، في زيارتي الأولى لها قبل أسبوعين، لكل من سألني عن انطباعي الأول، أما انطباعي الأخير والذي كانت إجابتي عن هذا السؤال وأنا أصعد الطائرة العائدة بي للكويت فكان: قطر أهدأ بكثير مما توحي به قناة الجزيرة، وأبسط، وأجمل.

أما الانطباع الأول فقد أوحى لي به منظر شوارع العاصمة القطرية الدوحة، فكنت لا اكاد أمر في شارع الا تصادفني العلامة المرورية «عمال يشتغلون».. وكان العمال دائما فعلا يشتغلون ليلا ونهارا، في أبنية تطاول ما انتهى العمل فيه منها ليعيد صياغة الدوحة كعاصمة لناطحات السحاب، حتى تخيلت أن قطر كلها عبارة عن عمال يشتغلون. ترى هل كانت المدينة نائمة ثم استيقظت فجأة على واقع تريد إعادة بنائه او تجميله؟ أم انها تعرضت لزلزال ما وها هي تعيد ترميم ذاتها؟

لا هذا ولا ذاك.. فقط هناك عمل دؤوب حيث يعمل الكل على البناء بلا توقف ليسابق الزمن وينتهي من مهمته قبل أن يأتي عام 2022، حيث ستكون الدوحة عاصمة للرياضة العالمية على مدى بضعة أيام، خلال استضافتها الدورة الثانية والعشرين من بطولات كأس العالم لكرة القدم.

أما انطباعي الأخير فهو نتيجة استحضار لا بد منه لقناة الجزيرة وأنا في قطر. فلا أظن أن عربيا يذكر اسم قطر في السنوات الأخيرة، الا وبرز شعار الجزيرة الى ذهنه قبل أن يتذكر شعار الدولة أو علمها ربما. والقطريون أنفسهم لا ينكرون ذلك الوهج الإعلامي والسياسي ايضا الذي أضفته القناة على بلادهم، لكنهم يقولون ان قطر ليست الجزيرة، وان الجزيرة ليست قطر.. وهذا صحيح، على الأقل هو الواقع الذي عرفته وأنا أعايش كثيرا من مواطنيها وأزور بعض أمكنتها وأتجول في أسواقها وأشارك ببعض مناشطها الثقافية..

ذهبت الى الدوحة للمشاركة في نشاط شعري، بصحبة شعراء ونقاد من مصر وتونس والبحرين وقطر، بمناسبة اليوم العالمي للشعر، أقامه الصالون الثقافي هناك، ولأن العاصمة القطرية كانت على أهبة الاستعداد لاستقبال الزعماء العرب في إطار استضافتها القمة العربية، فقد فضل الصالون الثقافي أن يكون الاحتفال بيوم الشعر قبل يومين تقريبا من موعده العالمي الذي أقرته منظمة اليونيسكو في 21 مارس من كل عام، وبرر لنا، نحن المشاركين في الاحتفالية، الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث القطري مبارك ناصر آل خليفة، الأمر بأن ذلك تم للمزيد من الاهتمام بالمناسبة والتفرغ لها قبل الانشغال الرسمي بالقمة، وكأن الدوحة الوادعة لا تحتمل مناسبتين في وقت واحد، مهما اختلف موضوعاهما والمشاركون فيهما.

وهذا ما حدث فعلا، فقد كان الاحتفال الشعري راقيا وجميلا وجماهيريا بالاضافة الى حميميته في ضيافة الصالون الثقافي.. ومما ساعد على ذلك فكرة الصالون الثقافي التي تقترب من فكرة الديوانية، حيث يجتمع فيها كل المثقفين والمهتمين بالشأن الثقافي في قطر من مواطنين ومقيمين دوريا بلا رسميات، وغالبا بلا تغطيات اعلامية فاقعة أو جدول مسبق، فالمهم أن تكون الثقافة دائما هي الموضوع.

في إطار ذلك الاحتفال كانت ورقة الناقد والشاعر البحريني د. حسين السماهيجي هي الأبرز والأكثر لفتا للنظر، خاصة أنها تحدثت عن «الخلق الشعري في فضاء الأيقونة»، واتخذت من محمد البوعزيزي التونسي الذي أحرق نفسه فاندلعت شرارة الثورة التونسية كمقدمة للربيع العربي نموذجاً. ورغم أن الحديث كان شعريا نقديا في مجمله، فان الحدث السياسي وتداعياته كان حاضرا بقوة، وهيمنت أجواء الربيع العربي ومفردات ثوراته ايضا على الجلسة كما توزعت بين ثنايا الورقة. وعندما تحدث المحاضر عن الشعر باعتباره أيقونة قابلة لعملية الخلق الشعري وإعادة النظر في الجوانب القيمية التي تطرح في القصيدة، وأيضاً عن التناقض في الصور الشعرية التي طرحت قبل البوعزيزي وبعده.. كانت صورة البوعزيزي المحترقة والتي نقلتها الجزيرة يومها شاخصة بيننا لا لتشير الى رمزية الحدث وحسب، بل أيضا لتذكرنا أننا في الدوحة.. المدينة التي تنطلق منها الجزيرة نحو العالم ولكنها ليست هي بكل الأحوال.

سعدية مفرح

saadiahmufarreh@


Viewing all articles
Browse latest Browse all 8691

Trending Articles