
هذه القصيدة ألقيت في الندوة الشعرية، التي اقامتها كلية الآداب بجامعة الكويت، بمناسبة مرور أربعمائة عام على نشأة الكويت.
يا بَحرُ لاحَتْ على بُعدٍ شَواطِينَا
فأَبسُطْ ذراعَيْكَ للأحبابِ تُدْنِينَا
أَمضَّناَ الوَجدُ حتى هدَّنا أرقٌ
واسْتَنْزَفَ الشَّوقُ ما ضَمَّتْ مآَقِيناَ
فابعث رسائَل حبٍّ منك تَصحبُنا
ويا نَوارِسَك البيضاءَ زُفِّينا
فنحن أبناءُ أرضٍ انت ساكنها
وهمسُ مَوْجِك أنغامٌ تُناجِينا
وامْلأ سَمانا سحِاباً كُنْتَ مصدَرُه
واسْتَمْطِرِ الغَيمَ إن جفَّتْ مَراعينا
لولاكَ يا بحرُ لم يَطلَعْ لنا قمرٌ
بضوئِهِ طالما اسْتهوى المُحبِينا
لولاكَ يا بحرُ لم يُورِقْ لنا شجرٌ
وما تَرَنّمَ طيرٌ في مَغانِينا
فأنت يا بحرُ والبيداءُ تَوْأَمَة
من أين جئناكُما جئنا ملبينا
***
أبوامُنا لمَغاني الأهلِ مشرعَةُ
فخراً نَتيهُ بها من صنعِ أيدينا
يا للقلاليفَ شادوا في عَمائِرِهمْ
سَفائناً أبدعتْ فَنّاً وتَزيِينا
نَشُقُّ فيها عبابَ البحرِ مُثْقَلةً
الى موانِىء شطَّت عن مَوانِينا
تلك التجارةُ من أسفارِنا عظُمَتْ
وأسَّسَت مَورداً يُغني ويُكفِينا
***
في مَوْسِم الغوصِ كم كانتْ لنا قصصٌ
رغْمَ المصاعِب كان الغوصُ يُغرِينا
سلِ المواويلَ اذْ راحتْ تُودّعُنا
وللهلاهَلِ بشرى في تَلاقِينا
عِطرُ العبادةِ في إنشادِنا نَغَمٌ
والحبُّ يَنْبُضُ شوقاً في أَغَانِينا
تلك الأهازيج والجيمازُ يُنِشِدُها
وما يُردّدُهُ النهَّامُ يُشجِينا
فما تَلاشتْ وما هانتْ عزائمُنا
كلا ولا وهَنَتْ يوماً أمانِينا
أحبةٌ ضمَّهمُ نحوَ العلى وطنٌ
لا يسألونَك شيئاً أنتَ أو سِينا
تلك الخلافاتُ ما كانتْ تُؤَرقُهُم
ولا أرادوا لها شحنا وتَسْخِينا
فالناس قد ورثوا قدماً مَذاهبُهُمْ
فما التّشَبُّثُ فيما ليس يَعْنِينا
***
إنَّا بَنيناهُ سوراً من عَزائِمنا
إذ لم نجدْ فيهِ إلا الماءَ والطِينا
فأقْبَلَ الأهلُ من بَدْوٍ ومن حَضَرٍ
يَرَوْنَ في الذَوْدِ عن ساحاتِهِ دِينا
وما لِحاضرِنا فخرٌ نَسُودُ بهِ
حتى تُجَسِدَهُ أمجاد ماضِينا
يا سامعَ الصوتِ قِفْ واسْمع حكايتهم
وصِوّرْ السورَ إحياءً و تَثْمِينا
أذِعْ لمنْ أسَّسُوا بنيانَه خبراً
وانْشُرْ على صَفْحةِ التأريخِ تَبْيينا
***
يا ديرة الخيرِ يا حِصْناً نَلُوذُ بهِ
ويا سنا بَرْقِ حُبٍّ ساكن فينا
ساحاتُنا ازْدحَمَتْ ممّا تَنوءُ بِهِ
من السِجال فسَلْ عنها نَوادِينا
فلْننتَظُرِ ليكونَ الحكمُ فَيْصَلنَا
والنطقُ فيهِ عن التحريضِ يُغنِينا
نُريدُها وقفةً والعقلُ يَحكُمُها
فما شَهِدْناهُ ممّا كانَ يَكفِينا
عُدْنا إليكِ وعادَ الشوقُ يَجْمًعُنا
على ثراكِ فنادينا وضُمّيِنا
فما لِجُرْحِ اذا ما نزّ من أَلَمٍ
سوى طبيبٍ نُطاسّي يُداوينا
علي يوسف المتروك