Quantcast
Channel:
Viewing all articles
Browse latest Browse all 8691

نوافذ على الثقافة العالمية

$
0
0

كيف كانت الدول الشيوعية تهيمن على عقول الجمهور الواسع خصوصا من الشباب؟ هذا التساؤل تبعثه عودة الكاتب جبيك بطل الرسومات البولندي الذي كان يستخدم من قبل في نسج اساطير حول «الجيش الشعبي» التي خلقت قصصا مشوهة عن الفدائيين.

من الحنين والنوستالجيا ينطلق س. د. باين إلى عالم الفكاهة القاسية المتطرف قليلاً، حيث الأبطال ليسوا من الأذكياء لكنهم يمتمتعون بقدرات فريدة للتعرض للمشاكل، وصولاً إلى ملحمة الرجل الباحث في «إجابة من الصمت» لماكس فريش عن تجربة الوحدة حيث رحلة الخطر والتغيير الجذري للحياة.

عندما أصدر ماكس فريش (1911 - 1991) كتابه الثاني «إجابة من الصمت» خلال العام 1937، وكان آنذاك في السادسة والعشرين من عمره، قرر إغلاق مسيرته ككاتب. عمل على إحراق كل المخطوطات، ولم يعد للكتابة إلا خلال خدمته في الجيش. كتاب النثر «إجابة من الصمت» كان الوحيد الذي لم يُدرجه ضمن عملية إصدار ملفه الجماعي (1976) - لأنه لم يكن مقتنعا به كثيرا. ولم يتم إصداره مرة أخرى إلا بعد سبعين عاما من الإصدار الأول. كما صدر بلغات أخرى في تلك الفترة.

خلال العام المذكور 1937 درس ماكس فريش الهندسة المعمارية في الجامعة الفنية بزيوريخ، وتخرج منها بعد ثلاثة أعوام، لكنه لم ينفذ أول مشروع معماري خاص به إلا بعد سبعة أعوام من ذلك التاريخ. أغلق مكتبه الخاص بالهندسة المعمارية في العام 1955، أي خلال الفترة التي كان قد أصبح فيها كاتبا معروفا وناجحا.

 

جردة حساب ذاتية

في مقدمة كتاب «إجابة من الصمت» التي كتبها الكاتب السويسري المتخصص بالشؤون الألمانية بيتير فون مات، يتم توضيح ظروف نشوء هذا العمل. فقد أنهى الكاتب مخطوطته المرتبطة بالكتاب في اللحظة التي قرر فيها إجراء تغيير أساسي. لم يرغب بالاستمرار في الكتابة وأجرى بنفسه جردة حساب ذاتية حول توجه حياته: «حرية المسؤولية الشخصية الراديكاية هي رائعة ومرعبة في الوقت نفسه، الإجابة من الصمت هي ملحمة عن رجل فهم هذا الأمر بشكل مفاجئ، وشعر بالرعب في صميم قلبه بسبب ذلك. الآن يجب عليه أن يتصرف، لأن ذلك هو بمنزلة مسألة حياة أو موت»، كما يكتب مات.

 

الجوهر والمعنى

يتوجه الرجل الشاب إلى الجبال كي يجرب الطاقة الفائضة عن الوحدة، وليقيس نفسه مع الباطل، ويمنح الحياة تلك اللحظة التي يظهر له خلالها الجوهر والمعنى.

إجابة من الصمت هي ملحمة حول الرجل الباحث، حول القلق الذي يدفعه إلى خارج الاتفاقات المحددة. وبالرغم من انه قد يبدو في الوهلة الأولى أننا ننظر إلى نصوص كتبها أدالبيرت ستيفتر مثلاً، لأننا نجد هنا وصفا دقيقا لصور الطبيعة الجبلية المرتفعة، والمجسمات الصغيرة للهندسة المعمارية هناك، وفردية وشاعرية الأماكن، وفي الوقت نفسه نجد هنا توتراً عاطفياً مثيراً للقلق، كأننا أضفنا لذلك رسومات من كاسبار دافيد فريدريخ. بطل قصة فريش هو ذلك التائه فوق ضباب البحر. لكنه بالطبع لا يشيد في هذه القصة بالإله والطبيعة، الجلالة والضخامة، بل يبدو على الأرجح وكأنه يودع هذه الحقبة. وبالرغم من أن النص نشأ منتصف ثلاثينات القرن الماضي، فإنه يبدو فيه وكأنه ينمي العبث الأرضي الأفقي المحتمل، الذي في الواقع يبرز كتناقض مع العامودية الجبلية.

ربما كان بإمكان الكاتب الحساس المقيم في سويسرا المحايدة آنذاك أن يستشعر رائحة النزاع الحربي المقترب، ودمار التقاليد والقيم. وبالرغم من أننا نقرأ في سيرته الذاتية بأنه كصحافي كان يكتب بطريقة مجردة من السياسة، إلا أنه - قبل دراسة الهندسة - درس العلوم الألمانية وطب النفس الشرعي، وكان، بالتالي، يملك وجهة نظر معينة حيال آلية السلوك والتصرف.

«هو يقول مجددا، هذه هي حياتي، ويكتشف بأنها ليست حياة بأي شكل، بل مجرد نوع من الوجود».

 

أسلوب المبادرة

قد نحاول في لغة اليوم تعديل الكلمة الأخيرة التي لفظها ذلك الضابط الاحتياطي الشاب، معلم المستقبل، المخطوب بسعادة. ويبدو أن الأمور الجيدة لا تزال في انتظاره، أو على الأقل يبدو أن ثمة مستقبلاً مضموناً له لا يزال طور التشكيل. ربما النموذج الأصلي للرجل الواعد. لكن ذلك في الواقع هو سبب خوفه وموضوع كتاب فريش - الاستراحة التي تطلق العنان لصفارة الإنذار، وتفرض اتخاذ قرار باتجاه أسلوب المبادرة.

الضمانة هنا هي مماثلة للموت، والرضوخ للاتفاقية العامة هو بالنسبة إلى الروح أو بمنزلة تعطش للتجارب من خلال الأفق المنخفض. وبالتالي فإنه من المفترض إما الرد على الدعوة أو اللجوء إلى المجهول، أو الصمت للأبد.

فريش يعثر في روايته على إمكانية إضافية. فوفق وقائع العصر آنذاك يحاول بطل كتاب فريش الصعود من الجهة الشمالية فوق جبل ايغير ضمن سلسلة جبال الألب، واحد من أعلى جبال أوروبا، والذي توفي خلال محاولة الصعود فوقه، أي خلال فترة كتابة النص، عدد من متسلقي الجبال، ولم يتم تحقيق أول عملية صعود ناجحة إلا خلال العام 1938، لكننا لا نعرف إلى أي مدى وصل بالتس لوبتهولد، بطل قصة فريش، في محاولاته لصعود ذلك الجبل. فوفق الحالة التي عاد بها يمكن التخمين، بأن حياته كانت في خطر. لكن تفصيل ما جرى يبقى سريا، وكأن تلك الإجابة تمثلت بالصمت والسكوت، اللذين غرق فيهما.

 

قصة التوقعات والتصميم

«إجابة من الصمت» هي قصة التوقعات، والتصميم للقيام بفعل حاسم. البطل الرئيسي يتحرك في نهاية المطاف، وينطلق في رحلة خطرة، ثم يعود وقد تغير بشكل جذري، لا تكتشف نسبة ضحاياه، لكن في الوقت نفسه، فإن ما يبدو واضحا هو أنه قد شاهد أشياء لا يمكن التفوه بها. وبذلك، فإن النهاية تشكل في الواقع البداية الحقيقية للكتاب.


Viewing all articles
Browse latest Browse all 8691

Trending Articles