Quantcast
Channel:
Viewing all articles
Browse latest Browse all 8691

المثقف.. هل يلعن التغيير أم يؤيده؟

$
0
0

ربما لم يوضع المثقف يوماً في خانة الاتهام والحساب مثلما حدث معه منذ أن قامت الثورات.. تساءلوا أين كان في سنوات الاستبداد؟ وأين هو الآن؟ هل يكتفي بدور المصفق لها، أم اللاعن لمساراتها؟ اليوم وبعد مرور عامين، وبعد أن أصبح الصراع واضحا ومفتوحا بينه وبين الإسلاميين، كيف يرى المشهد؟ وما قدرته على التأثير فيه؟ وإلى أين نحن سائرون وسط الخوف من ثورات تعيد إنتاج الاستبداد بوجوه أخرى؟

د. فالح عبدالجبار، الأستاذ والباحث في علم الاجتماع بجامعة لندن، قال إن جل المثقفين رحّبوا بالتحولات، ارتكازا إلى الاعتقاد بأنها (أي التحولات) تحمل وعدا بالديموقراطية والحريات المدنية المرافقة لها، الديموقراطية التي طال انتظارها حتى تهرأت الأقدام على أرض الانتظار. في المقابل، هناك قطاع آخر من المثقفين كان يرى إلى صعود الإسلام السياسي ومساعيه للسيطرة على مآل التحولات والوصول إلى السلطة بمنزلة الخطر، وأن الانتقال سيكون بتقديرها من نظام تسلطي غير ديني إلى آخر ديني، أي مقدّس، يكون الاعتراض عليه بمنزلة الاعتراض على القدسية السماوية.

وأضاف: قلة من إعلاميي الأحزاب القومية واليسارية، وحتى بعض الأحزاب الإسلامية اعتبرت التحول مؤامرة وحركة بأجندة خارجية أو حتى أجندة إسرائيلية.

القطاعان الأول والثاني يمثلان قوى ذات منحى ديموقراطي-علماني، سوى أن أحدهما يضع الأولوية للديموقراطية، فيما الثاني يعطي الأولوية لعلمانية الحركة. أما الأخيرين أصحاب نظرية المؤامرة، فرغم سيطرة بعضهم على أجهزة إعلام مؤثرة، فإن كلامهم إلى الخرافة أقرب، وهو دليل تسطح نادر في العقل، إن كان ثمة شيء منه.

 

صعود متوقع

ثم تحدث د. عبدالجبار عما وصفه بوهم يحيط بمفهومنا عن المثقف، وقال إنه ليس زعيما سياسيا، إنه منتج معرفة، وهذه المعرفة تنتقل بمستويات متفاوتة الى المجتمعات المعنية وتترجم الى مواقف، وأحيانا حركات.. إلخ. ليس المثقف منظم تظاهرات أو مخطط هجمات عسكرية. وقدم قراءة للمشهد قائلا: المشهد الماثل أمامنا اليوم هو صعود متوقع للإسلام السياسي، مدعوما بفترة مديدة من تدمير القوى المدنية، ومدعوما بحالات غير قليلة ببنية تنظيمية شبه علنية أو رسمية (الإخوان في مصر مثلا) فضلا عن الدعم الإقليمي، والدعم الدولي، بخاصة من الولايات المتحدة، التي ترى الآن أن قوى الإخوان المسلمين تمثل برأيها إسلاما معتدلا، هو وحده القادر على مواجهة «القاعدة» باعتبارها تمثل الإسلام المتطرف، وأن «الإخوان» أيضاً يتمتعون بشعبية، وأن توقيعهم أو قبولهم الصلح مع إسرائيل سوف يمثل، حسب تعبير دارم البصام، نوعا من صلح تاريخي بين الإسلام واليهودية، وهذا إذا ما تحقق فسيكون ذا حمولة رمزية هائلة، وسيكون تحولا قد لا تقوى الركائز الحالية للإسلام السياسي على تحمّل أثقاله.

 

خطر واحترازات

ووصف د. عبدالجبار المشهد بأنه داخلي أكثر منه خارجي: الإسلاميون في الحكم، منفردين أو بالمشاركة، يواجهون الآن حساب الحقل وحساب البيدر، أي القضايا الموقعية التي تستوجب حلولا بعيدة عن الخطاب الأيديولوجي المعارض، فالناس لا تقتات على الأيديولوجيا، ولا تدير مجتمعاتها بالأدعية والابتهالات كما قال. ثم تحدث عن طبيعة الصراع الدائر في سوريا، ونبه إلى أنه من المبكر اعتبار أن هناك ما قد حسم فعلا:

الصراع الآن يدور بين القطاع العلماني المدني بمواجهة مخاطر الأسلمة الأيديولوجية المميتة بخوائها وعنفها. سوريا لا تحمل وعدا مريحا. ولعلها تعطي لمعارضي التغيير، خوفا من التطرف الديني، بعضا من الدعم لموقفهم، بينما لا تقدّم لمساندي التغيير غير القول: نحن نؤيد الثورة على النظام، ونعارض الأصولية ذات المنحى الطائفي التسلطي الكاره لكل منتجات الحضارة الحديثة.

الاحترازات واجبة وضرورية بالطبع، لكن من السابق لأوانه القول إن مسار التطور قد حُسم وانتهى، فنحن إزاء سيرورة تاريخية ستأخذ عقودا قبل أن تستقر.

 

الثوار المثقفون

إبراهيم العريس، الكاتب والباحث في التاريخ الثقافي، قال إن القسم الأكبر من المثقفين انتموا إلى الثورات ما إن اندلعت، مع تفاوت الحماس وإذا استثنينا عددا من كبار المثقفين الذين يفضلون عادة التريث قبل إبداء الحماس، حتى وإن كنا نعرف أن قلوبهم وعواطفهم مع أي تحرك يرنو الى إحداث تغييرات في الواقع المزري الذي تعيشه المجتمعات العربية:

علينا ألا ننسى أن الشبان الذين كانوا هم أصلا من أشعل الثورات أو بادر الى احتضانها، كانوا في معظمهم من المثقفين بشكل او بآخر. ففي مصر وتونس وسوريا وليبيا واليمن، بل حتى في أماكن أخرى، اندفع الفنانون الشبان والكتاب والصحافيون الى الساحات يرسمون ويغنون ويمثلون، وحتى يصورون أفلاما ويعرضونها. كل هذا معروف وموثق، لكنه ساد خلال الشهور الأولى وبعد ذلك اختلفت الأمور.

وفي اعتقادي لم تختلف لأن المثقفين تراجعوا أو شاءوا التحالف مع أنظمة القهر والفساد، بل ما يمكن قوله هو أن الثورات نفسها انحرفت، وكلّ في طريق. لا سيما حين تحولت ثورات الى دول وسلطات جديدة. وبالتحديد حين التفت أحزاب الإسلام السياسي على السلطة وحققت نجاحات انتخابية من طريق ديموقراطية اعتبرها المثقفون -عن حقّ في غالب الأحيان- غير ناضجة. اعتبروا أن الديموقرطية الوليدة جعلت الجموع تنتخب أعداء الديموقراطية، ما من شأنه أن يدفع الى التساؤل حقا عن مصير الثورات وأحلام الشبان الذين أطلقوها قبل أن تُسرق منهم.

 

اختيار عبثي

ثم تحدث عن المأزق الذي وُضِع فيه المثقف بسبب مسارات الثورات، وقال: المشكلة هنا أن المثقف، والفنان والمفكر العربي، الذي أمضى حياته وكرّس ما تيسّر من نشاطه الفكري، من أجل ترسيخ قيم الديموقراطية والدولة المدنية وحرية الفكر والتعبير والدفاع عن حقوق المرأة وحق الاختلاف، وجد نفسه في معظم الأحيان مضطرا إلى أن يختار بين اثنين أحلاهما مرّ: إما الوقوف الى جانب الدكتاتوريات الفاسدة والقامعة وما تبقى منها، وإما مناصرة دكتاتوريات الإسلام السياسي الواصلة إلى الحكم حديثا، والتي صحيح انها تأتي من طريق صناديق الاقتراع، لكنها تقف، والتجارب التاريخية شاهدة على هذا، على النقيض من كل ما يحلم به أي مثقف عربي شريف.

أمام مثل هذا الاختيار الظالم، والعبثي، من الواضح أن المثقف العربي يتمزق. فهو ليس قادرا على مساندة الأنظمة القديمة الفاسدة، ولا هو قادر أو راغب في خوض تجربة مع الدكتاتوريات الجديدة يعرف سلفا أنها لن تسير به أو بمجتمعه الى آفاق الحرية والتقدم المنشودة.

 

طريق ثالث

وقال العريس إن هذه الوضعية لا تخصّ المثقف العربي وحده، بل هي كذلك وضعية الشبان العرب من أصحاب الثورات الحقيقيين، الذين يشعرون الآن أن ثوراتهم قد غُدر بها وسرقت.

من هنا لم يكن غريبا أن ينتفض المثقفون العرب اليوم إلى جانب المعترضين في شوارع مصر وتونس، ضد لصوص الثورات، تماما كما أنه لا يمكن أن يكون غريبا في الوقت نفسه أن كثرا من المثقفين الذين وقفوا، قليلا أو كثيرا، مع الثورة السورية حين اندلعت، يشعرون اليوم بالكثير من التردد بعد ما آلت اليه هذه الثورة من تصدّع في المعارضة وتفاقم في استيلاء قوى الإسلام السياسي، بل حتى التجمعات الإرهابية المحترفة عليها.

وفي الحالين، من المؤكد أنه ليس ثمة مثقف حقيقي يطالب بعودة مبارك أو ابن علي أو القذافي أو صالح، وبقاء الأسد أو حتى المالكي.

ولكن من المؤكد أن ثمة الآن ترقبا من لدن المثقف العربي، ريثما يترسم طريق ثالث، أو ريثما تنجلي المعارك عن شبه ديموقراطيات تتيح للمثقف أن يواصل معاركه المدنية من طريق الفنون ضاخّا فيها همومه، محاولا استعادة علاقته مع مجتمع يحتاجه ويشعر هو عن حق بأنه خير من يمثل تطلعاته، لاسيما إذ يرسخ تحالفه مع شباب الثورات الذين اختاروا الاعتراض الدائم سبيلا للوصول إلى أحلامهم.


Viewing all articles
Browse latest Browse all 8691

Trending Articles