Quantcast
Channel:
Viewing all articles
Browse latest Browse all 8691

إلا خمسة...

$
0
0

لا أعرف ما الذي ذكرني وأنا أغادر قاعة كانت تعقد فيها إحدى الندوات التي تناقش «الربيع العربي» عبارة ماري منيب الأكثر شهرة في مسرحية «الا خمسة»: إنتِ جاية تشتغلي إيه؟!

كانت منيب تكرر السؤال بينما يعيد الممثل عادل خيري الإجابة بنفاد صبر.

كوميديا بسيطة تعتمد على تكرار الخطأ. لكن يبدو لي أن هناك جانبا من السؤال الذي تكرره منيب ليس كوميديا على الاطلاق، بل قد يكون جديا تماما وعندها تنقلب الامور.

فنحن ننسى خلال المسرحية أن الرجل الذي تسأله تلك العجوز التركية هو محام في الأصل، فشل في أن يجد الفرصة لممارسة مهنته. أما العانس، مالكة البيت الذي يضم مكتبه، فقد كانت تلبسه الرف «روب المحاماة» الذي لم يقف به أبدا أمام أي قاض.

هذا المحامي الذي عثر على خريطة لكنز في قصر تملكه أسرة تركية تتزعمها ماري منيب، العانس بدورها.. أقول هذا المحامي قرر أن يكون نصابا بالاستيلاء على الكنز، ومن ثم كان على استعداد ليعمل سائقا ليصبح قريبا من الغنيمة، متعرضا لسخافات العانس المتعجرفة، والمتصابية أيضا، ولقسوة أخيها المتعيش من مالها، والذي لا يغادر السوط يده، بينما يبدو أمام أخته قطا مقصوص المخالب.

دائرة فاسدة لا تعرف أولها ولا نهايتها، حيث كل شيء في غير مكانه، وبالتالي فان سؤال ماري منيب لسائقها الجديد الشاب يبدو وجيها فعلا: انت جاية تشتغلي ايه؟ وكأنها تقول: أنت المحامي أم السائق أم اللص؟

ليس لهذا علاقة بالمثقف طبعا، وإن كان يمكن أن يخفف من موجة الاتهام له، مع حلول الربيع العربي، بالتقصير، أو الارتماء على وسائد السلطة، أو النخبوية الهشة، أو بوصفه: عندليب المحافل المغلقة، أو الزاحف إلى الأمام، في الطريق الى شعلة الجائزة، أو أنه «لزوم ما لايلزم»، مثل مصباح محترق مدلى من سقف الدولة. كل هذا دون ان نشك في علاقته بهذه الصفة: «مثقف»؟ في أي ظروف تشكلت ووفق أي شروط؟.

لا نسأل، وربما لايفعل ذلك المثقف نفسه، هل تعلم في مدارس غير التي تعلمنا فيها والتي لا تحسن الا تخريج الكتبة وانصاف المهنيين؟ هل كان يسكن بجوار مكتبة الكونغرس؟ هل تتلمذ في جامعته على يد باشلار أو بيير بورديو، أم على يد بائعي المذكرات ولصوص الكتب؟ هل كانت الصحيفة التي تصل الي بيتهم، ان كان في بيتهم من يقرأ الصحف، تفتح له أبوابا حقيقة على العالم المحيط به؟ كيف كان يحصل على الكتاب وكيف كان يقرأه؟ متى بدأ يشعر بالتفرد وقياسا إلى من؟

كان المجتمع الذي يعيش فيه المثقف هو مجتمع«الا خمسة» أساء تأهيل مواطنيه كما أربك حساباتهم، واضعا كلا منهم في المكان الخطأ، ليجد الواحد نفسه حائرا بنصف تأهيل، مجبرا على الدوران في الاتجاه العكسي لضميره كترس يتكسر ببطء.

من الطبيعي أن يجد المثقف نفسه حائرا كغيره تماما، فهو يحمل نصف صفة، لا يعرف بأي شيء يقيسها، ولا أين يضع ثقلها.

طبيعي أن نجده مرتبكا وهزيلا أمام اضطرابات غير مسبوقة، وكأن المجتمع أفاق الآن فحسب وأراد أن يعدل مساره، دون أن يدرك أن أفراده جميعا أفراد «الا خمسة» بمن فيهم المثقف طبعا. دون أن يدرك بالتالي حجم خساراته السابقة ويعترف بها ليعيد تأهيل ذاته، بدلا من أن يضطر إلى العمل تحت أي سلطة جديدة كسائق مؤقت، أو نصاب.

مهاب نصر


Viewing all articles
Browse latest Browse all 8691

Trending Articles