
بموازاة المؤسسات الثقافية الرسمية نشأت في الكويت عدة ملتقيات ومنتديات ثقافية خاصة لها دور مهم بالطبع في الحراك الثقافي وفي إتاحة المجال للأدباء والكتاب لعرض إنتاجيتهم الأدبية وإقامة حوار ونقاش حولها.
اللافت أن هذه المنتديات أخذت تزيد عاما بعد عام ومنها ما هو معني بعموم الإنتاج الثقافي أو الأدبي، ومنها ما هو متخصص في القراءة أو الرواية تحديدا. تزايد هذه المنتديات ما هي دلالاته وإيجابياته وسلبياته أيضا؟.
الروائي حسن الفرطوسي اعتبر أن اتساع هذه المنتديات الثقافية ظاهرة تفرزها المجتمعات عبر التاريخ وحسب طبيعة المرحلة الحياتية التي تعيشها:
الاتساع الواضح لهذه الظاهرة باعتقادي ضرورة حتمية لإحلال توازن ثقافي نوعي في ظل مرحلة حياتية تتسم بسطوة تيارات سياسية ذات غطاء ديني على الحياة بكل مفاصلها. إذن نحن في مواجهة غير متكافئة مع تيارات متمكنة ماليا ومعنويا ولوجستيا، تمعن في تجهيل المجتمع بآليات تقنية محكمة، فلابد من معادل موضوعي يساهم في تنمية جبهة الوعي من خلال المنتديات الثقافية التي هي في الغالب تأخذ طابع القراءة والاطلاع واثارة الأسئلة الثقافية والحياتية. لكن القلق الذي يرافق الظاهرة هو بروز حالات التكتل والشللية مما يعيق مد الجسور بين تلك المنتديات لتدعيم فاعليتها العامة، ذلك ما يجعلها حضورا بلا فعل.. وبما يتعلق بالحالة الكويتية فهي تعد من التجارب الفاعلة، والنافع فيها أكثر من الضار.
هوية ضبابية
الناقد فهد الهندال قال انه يرى المنتديات الثقافية مهمة لتنشيط الحراك الثقافي وتفعيل التواصل بين جميع فئات المجتمع على اختلاف مشاربها الفكرية وتتيح فرصة للحوار والتعاطي مع كل ما هو جديد على الساحة الثقافية. ثم وصف تجربته مع نادي المبدعين التابع لرابطة الأدباء، بالتجربة المثمرة التي قدمت أسماء أدبية وثقافية في عدة مجالات، إلا أن الاستمرارية تبقى هي التحدي الأكبر لتلك المنتديات. ثم تحدث عن المنتديات الأدبية الخاصة وقال:
بعضها أعلن أفكارها ورؤاها بشكل مباشر وواضح، وأخرى إلى الآن لم أجد لها هوية فكرية معينة لضبابية نقاط تأسيسها. ورغم أن بعضها يرتبط بصورة ما بتيارات سياسية مما قد يجندها لمنظورها الحزبي ، فإن ذلك لا يمنع حضورها وتشابكها مع بقية أفراد ومنتديات المجتمع للتعرف أكثر الى أهدافها ومرئياتها واختبار جديتها في العمل الثقافي واحترام حرية الاختلاف معها إن كانت تؤمن بحرية التعبير فعلا. إلا أنني أتمنى أن يكون لهذه الملتقيات والمنتديات نوعا من التنسيق لعدم التضارب بين أنشطتها والتفكير بهدوء نحو فعاليات منظمة موازية للفعاليات الثقافية الرسمية بما يثري المجتمع فكريا و ثقافيا.
دائرة مغلقة
الكاتبة باسمة العنزي قالت ان عدم قدرة تلك المنتديات على استقطاب جمهور من خارج دائرة المثقفين الذين يرتادون تلك الملتقيات يجعلها تدور في دائرة مغلقة وتحدثت عن ضرورة جذب المتلقي لحضور تلك الأنشطة الثقاقية الموجهة له أيضا لا للمثقف فقط. أما عن حضورها هي لأنشطة تلك المنتديات ومساهمتها فيها فقالت:
لا أحبذ أن أكون عضوة في أي ملتقى لانني كاتبة لعمود أسبوعي وأفضل أن أكون على مسافة من تلك الأنشطة حتى أستطيع أن أتناولها بالنقد إن لزم. وهذا سيكون صعبا بالتأكيد إن كنت عضوة في ذلك. أحرص على حضور بعض الفعاليات التي أخرج مما تقدمه وتناقشه بحصيلة جيدة وحضورها يجعلني غير معزولة عن الساحة الثقافية كما عزل بعض المثقفين أنفسهم في أبراج عاجية. أحدهم أقام ملتقى ثقافيا وهو يعيش في برج عاجي ولا يطلع على المشهد الثقافي ولا يقرأ إلا لنفسه. بالتأكيد لن أحضر هذا الملتقى.
تشرذم
الكاتب إبراهيم فرغلي قال إن متابعة الصفحات الثقافية في الصحف اليومية تعطي انطباعا للوهلة الأولى أن هناك زخما ثقافيا حقيقيا عبر هذه الملتقيات والكيانات الثقافية التي يكاد لا يمر يوم من غير أن تعقد ندوة أو أمسية شعرية، لكن بالاقتراب منها كما قال سنجد صورة مختلفة قليلا، فعند البحث في اسباب تكون أغلب هذه الكيانات سنجده يعكس، ولو ضمنيا، إحساس القائمين عليها أن الجهات الثقافية الحكومية لا تقدم الاحتضان والرعاية المرجوة.
اللافت أن رواد أي من هذه التجمعات الأهلية عادة لا يمكن أن يتواجد، ولو بالصدفة، في أي تجمع أهلي آخر إلا فيما ندر. وهذه مسألة غريبة كأن ما يجمع المثقفين ليس الموضوعات المطروحة، بل التوافق الشخصي!
ثم تحدث فرغلي عن إشكال آخر لافت له كمراقب كما قال، وهو عدم تضافر جهود هذه الملتقيات مع بعضها بعضا في أي نشاط مما يجعل وضعها متشرذما ولا يكمل بعضه الآخر. وأضاف:
فأغلب الأمسيات تناقش كتابا أو تقيم أمسية شعرية، بينما تغيب القضايا الثقافية الكبيرة والمهمة عن ساحتها، تلك التي تسمح بإعادة التفكير والتأصيل لكثير مما يجري حولنا اليوم في الساحة العربية بلا استثناء، بالرغم من التحديات الكبيرة التي تواجه المجتمعات العربية في اللحظة الراهنة وتواجه المجتمع الكويتي من جهة أخرى. ربما يمكن أن نستثني أمسيات جماعة تنوير من ذلك فهي الأكثر حرصا على إثارة أفكار مهمة عن التنوير والحرية والفكر والفلسفة حتى على مستوى اختياراتها للأفلام الكلاسيكية التي تعرضها بين آن وآخر.
لكني أود التأكيد على أن المنتديات الخاصة بالقراءة، مثل ديوان وخير جليس في الحقيقة تبدو لي الأكثر تفاعلا وتحقيقا لفكرة المنتديات التفاعلية لأنها لا تعتمد على فكرة المنصة بل على تقديم كل شخص قراءته الخاصة لنص أدبي أو فكري، كما أنها الأقل دعائية واهتماما بالدعاية الإعلامية إذ أنها تحقق رغبة أصيلة لدى الشباب والمشاركين فيها في النقاش، وفي المعرفة، وفي استخدام وسائل مختلفة ومتباينة في فهم النصوص واستنباط الأفكار منها، خصوصا حين يشارك فيها أفراد يتسمون بسعة الاطلاع وعمق الثقافة مهما كان عددهم قليلا.
مجاملات وارتجال
الكاتب عبد الوهاب الحمادي رأى أن من حسنات هذه الملتقيات أنها استفزت رابطة الأدباء لإقامة نوعية جيدة من الأنشطة. وقال ان كل ملتقى له هوية خاصة ولكن ما ينقصها هو الانفتاح على جمهور اوسع وعدم تكرار الوجوه نفسها حتى لا تصبح الحوارات التي تجري كأنها في غرفة مغلقة وتغلب عليها المجاملات، ويتابع:
دار الآثار الإسلامية استطاعت أن تجذب الحضور بمحاضراتها المتنوعة الموضوعات وأتمنى أن تنشط الملتقيات الثقافية في استضافة مثقفين من الخليج والعالم العربي وأن تبتعد عن الارتجال في التخطيط لبرنامجها الموسمي وأن يكون هناك نوع من التخصص في كل ملتقى.
لقاء الشباب
الأديبة فوزية الشويش قالت ان تلك المنتديات والملتقيات تساعد على نشر الثقافة ولقاء الشباب ببعضهم بعضا ولكن بالنسبة لحضورها هي شخصيا لأنشطتها قالت:
لا يوجد لدي وقت في الغالب لمتابعة أنشطتها وهي برأيي أكثر فائدة للشباب الذين يريدون التعريف وبإنتاجهم. ولكن عندما يسمح وقتي فأنا أحضر مثلا ندوة العربي المعدة بشكل جيد وكذلك ندوة مهرجان القرين أحضر جزءا منها والذي أشعر أنني بحاجة لمتابعته والاطلاع عليه. بالمجمل عندما أجد ندوة مهمة داخل أو خارج الكويت أحرص على متابعتها إذا سمحت ظروفي ومسؤولياتي.