
اخذ السعوديون في الاونة الاخيرة يغيرون من روتينهم في ساعات المساء، حيث أخذت مجموعات منهم تتقاطر الى المقاهي لقضاء ساعات من الانس بعد يوم عمل طويل شاق في الدوام الرسمي، حتى بدأت هذه المقاهي تمثل عنصرا اساسيا في حياة الكثيرين منهم.
رواد المقاهي في الأغلب يعرفون بعضهم بعضا باعتبارهم زبائن منتظمين بحيث باتت أشبه بعنوان بعضهم لبعض، كما ان أصحاب العديد من المهن يتخذون عادة من أحد المقاهي مقرا لاجتماعاتهم اليومية للتشاور وترتيب شؤون مهنتهم وتسهيل الاتصالات بينهم وكل من ينشد الوصول إليهم.
راحة نفسية
ويجد زياد في المقاهي راحة نفسية كبيرة اذ تجمعه يوميا بأصدقائه في ساعات صفو تعيد اليه الحيوية بعد ساعات الدوام الطويلة، وتجعله يعود إلى المنزل وهو في حالة معنوية عالية للغاية، وقادرا على الحديث مع عائلته والسهر معهم.
ويقول زياد الذي يعمل في احدى المدارس ان هذه المقاهي تعطيه هدوءا وقدرة على التفكير بمزاج عالٍ، خاصة ان عمله في التدريس يأخذ منه الكثير من الجهد والتركيز والوقت، حيث انه يعمل في منطقة بعيدة عن الرياض بأكثر من 70 كيلومترا يقطعها يوميا في الصباح وبعد الظهر.
والمقهى بحسب زياد يتميز بالنسبة اليه بأنه يجمعه بأصدقائه الذين اتفقوا على المواعدة اليومية في المقهى في المساء بغرض تبادل الاحاديث والبحث عن فرص افضل سواء لمواصلة الدراسات العليا او العمل.
تجديد الحيوية
ويصف الباحث الاجتماعي تركي المقاهي باعتبارها مكانا لتجديد الحيوية والروح، كما انها بالنسبة لعمله تعتبر بمنزلة حقل مصغر يمارس فيها تمعنه في سلوكيات فئات المجتمع المختلفة التي ترد المقهى.
ويؤكد في حديثه معنا ان المقاهي ثقافة جديدة اخذت تفرض نفسها بقوة في المجتمع السعودي، قائلا ان هناك مقاهي نسائية ايضا، وأخرى متخصصة في تقديم الشيشة، وهذا النوع يوجد خارج الاماكن السكنية مثل الاستراحات.
ويضيف الباحث الاجتماعي ان المقاهي اصبحت تقوم بادوار مهمة في المجتمع وأنها اعادت اليه عادة التجمع والأنس الجماعي التي كان المجتمع يقوم بها في الماضي في المساجد والبيوت والتي اختفت خلال السنوات الماضية، بعدما بدأ الجميع يهرب من البيت ومن الالتقاء بالناس تأثرا بعادات جاءت من الخارج اعلت من قيمة الانفراد والانعزال عن الناس.
هموم.. وضحكات
ويعتبر اغلب رواد المقاهي في العاصمة الرياض تحديدا من فئة الشباب التي تقصد هذا المكان وتبقى فيه لساعات طويلة بصحبة مجموعة «الشلة» ويتحدثون عن همومهم ومشكلاتهم وتطلعاتهم للمستقبل، وبين الفينة والأخرى تتصاعد الضحكات والقفشات مما يخلق جوا من المتعة والبهجة عند رواد المكان.
وبجانب الشباب يلاحظ وجود مجموعات اخرى من فئات اخرى اكبر سنا، اخذت تفضل المقاهي لأنها من وجهة نظرهم تخلوا من الشباب العابث الطائش الذي لا يبحث سوى عن اللهو وممارسة عادة البلوتوث، وشيئا فشيئا كما يقول احد المشرفين على مقهى في شمال الرياض، يأخذ رواد المقهى في التعارف بعضهم مع بعض سواء كانوا شبابا او كهولا، ذلك انهم الفوا هذا المكان كمجال للراحة والهروب من متاعب الحياة اليومية وربط جسور التواصل بينهم حيث يتحول الزمن الرتيب هنا الى حياة اجتماعية نشطة ومرحة.
تحول لافت
ومع انتشار المقاهي في المدن المختلفة اخذت هذه المقاهي تتنافس في تقديم خدمات نوعية لزبائنها من الصحف والكتب والمشروبات والمأكولات بمختلف أنواعها، كما ان بعضها اخذ يحرص على استضافة شخصيات معينة وكسبها كزبون دائم، وعادة ما يكون من المشاهير في الرياضة او الغناء او التمثيل.
والتحول اللافت في علاقة السعوديين بالمقاهي حاليا حدث خلال سنوات طويلة كان المقهى في بداياتها مكانا للعاطلين والعابثين من الشباب، يحرص الكثيرون على الابتعاد عنه وتجنب الجلوس فيه، وتعتبر مدينة جدة المدينة الاولى التي عرفت ثقافة المقاهي في المملكة، وذلك لانفتاحها على ثقافات ومجتمعات شتى اثرت فيها.