
الإنسان بطبيعته يبحث عن مناسبة للاحتفال، وإذا لم يجد هذه المناسبة يخترع واحدة للتعبير عما يجيش في قرارة نفسه.. يبحث عن مناسبة للفرح والتميز من أجل الهروب لو مؤقتاً من روتين الحياة ومشاكلها.. ربما تكون المناسبة لتخليد حدث تاريخي يعتز به أبناء هذا الشعب أو ذاك أو لإحياء مناسبة دينية،
لكل شعب من شعوب العالم عشرات الاحتفالات لكن بعض هذه الاحتفالات التي لا تزال سائدة في العديد من دول العالم تتسم بالغرابة الشديدة، وتعود في غالبيتها لأصول وثنية أو دينية، بل يمكن القول من دون أي مبالغة بوجود آلاف الاحتفالات والمهرجانات الغريبة في مشارق الأرض ومغاربها.
وفي ما يلي بعض الأعياد الغريبة:
بوفيه القرود
شهدت تايلاند قبل أيام واحداً من أغرب الاحتفالات في العالم احتفاء بالقرود التي تعيش بالمئات في إقليم «لوبوري».
ففي يوم الأحد الأخير من نوفمبر كل عام يقام هذا الاحتفال حيث يتم تجهيز «بوفيه» عملاق يحتوي ما لا يقل عن عشرة أطنان من الفواكه والخضروات الطازجة خصيصاً للقرود التي يقدر عددها بعدة آلاف. وجرت العادة أن يستمر الاحتفال حتى تنهي القرود وجبتها الشهية ولا تبقي منها شيئاً.
تقول الأسطورة إن القائد «راما» منح منطقة لوبوري لحليفه ملك القرود «هانومان»، وبالتالي يقيم السكان هذا الاحتفال السنوي لتمكين القرود من الاستمتاع بخيرات المنطقة ولإرضاء روح القائد.
الطريف أن القرود تدرك اقتراب الموعد السنوي فتصاب بنوع من الجنون قبله بأكثر من أسبوعين، وتبدأ في الصراخ والرقص احتفالاً بالوجبة غير العادية. ولهذا الاحتفال تأثير قوي على تشجيع السياحة في البلاد.
التضحية بعنزة
لسكان بلدة بولفاروزا الأسبانية طريقتهم الخاصة والمميزة لإظهار احترامهم للقديس سان فينسينت، ففي عيد هذا القديس الذي يصادف الخامس من يناير يقيمون احتفالاً كبيراً يقومون خلاله بإلقاء عنزة من أعلى نوافذ برج كنيسة البلدة، فيما يحاول آخرون التقاط العنزة في ملاءة كبيرة قبل أن ترتطم بالأرض.
لكن يحدث أحياناً أن يفشلوا في منع ارتطام العنزة بالأرض فتموت المسكينة على الفور إذ إن البرج يرتفع ما يقارب الثلاثين متراً. في هذه الحالة يضعونها على طاولة من الخشب ويواصلون احتفالاتهم بالطواف على الشوارع الرئيسية في البلدة وهم يهزجون ويغنون ويرقصون.
أما إذا بقيت العنزة على قيد الحياة وتمكنوا من التقاطها بواسطة الملاءة قبل ارتطامها بالأرض، فيحملونها على الأكتاف ويطوفون بها في الشوارع، وعادة ما تستمر الاحتفالات حتى فجر اليوم التالي.
وكانت السلطات عام 2002 قد منعت إلقاء العنزة من برج الكنيسة بضغط من جمعيات الرفق بالحيوان، لكن الكثيرين ما زالوا يمارسون هذه الطقوس، ويلجأ البعض لإلقاء لعبة على شكل عنزة.
قبل الصوم الكبير
تتميز دول أوروبا الشرقية بكثرة احتفالاتها الغريبة، لكن أكثرها شهرة وانتشاراً في العديد من هذه الدول يقام بمناسبة عيد « ماسلينيتسا» الذي يستمر أسبوعاً كاملاً.
يوافق هذا العيد أواخر فبراير أو أوائل مارس من كل عام وهو يمثل احتفالاً بمناسبتين الأولى نهاية فصل الشتاء أما الثانية فهي الأسبوع الأخير قبل بدء الصوم الكبير الذي يمتنع الصائمون خلاله عن تناول الكثير من الأصناف الغذائية والمشروبات.
وخلال الأسبوع تشهد هذه المناطق كل أنواع الاحتفالات تقريباً، لكن أبرزها قيام الشباب في ما بينهم بالتباري في الشوارع والساحات برياضة أشبه بالملاكمة لكن من دون إلحاق الأذى بالطرف الآخر.. وعادة ما تنتهي المباريات بالضحك والعناق، وفي النهاية يلتئم الجميع حول الموائد التي تقام في كل مكان تقريباً وتكون عامرة بكل ما لذ وطاب استعداداً للصوم.
ولا تكتمل هذه الاحتفالات من دون إضرام النيران في المئات من أكوام الخشب المخصص للتدفئة، ويروح الجميع في الرقص والدوران حول النيران.
أرواح شريرة
تتضمن التقاليد اليابانية العديد من الاحتفالات الشعبية الغريبة، لكن يبقى عيد «ماداكا متسوري» السنوي أكثرها غرابة حيث يتفنن سكان كل منطقة بما تجود به قرائحهم من غرائب، ومن الملاحظ أنه لا يوجد موعد محدد لهذا الاحتفال، وكل منطقة تنظمه في موعد مختلف عن مواعيد احتفالات بقية المناطق لكنها تتفق على تنظيمه في فصل الشتاء.
على الرغم من الاختلاف بين احتفالات المناطق يبقى القاسم المشترك بينها خروج الشباب في طقس شتوي شديد البرودة وهم شبه عراة لا تستر أجسادهم سوى قطعة صغيرة من القماش كالتي يرتديها مصارعو السومو يسمونها «فوندوشي».
وفي وقت محدد يعتلي كاهن من ديانة الشينتو برج المعبد ويلقي على المحتفلين عصا صغيرة بعد أن يؤدي أمامها بعض الصلوات.
هنا تنشب معارك بين آلاف الشباب، وكل منهم يحاول التقاط العصا إيماناً بأن المحظوظ منهم سوف يعيش سعيداً لعشرات السنين المقبلة. وفي هذه الحالة يتعيّن على المحظوظ أن يضع العصا داخل صندوق مملوء بالرز.
بعد الانتهاء من حكاية العصا يسارع الشباب لإلقاء أنفسهم في بركة كبيرة من الوحل لطرد الأرواح الشريرة كما يقولون، ومن ثم يغتسلون بمياه شديدة البرودة.
دب القش
يعود هذا العيد في أصوله إلى ألمانيا حيث بدأ الناس يحتفلون به قبل أكثر من ألف عام وكان يشتمل على العديد من أعمال العنف وينتهي بالتضحية بشاب لا يتجاوز عمره العشرين، لكن مئات السنين غيرت الكثير، فقد انتقل العيد إلى بريطانيا ولم يعد أحد يحتفل به في ألمانيا.. أما التغيير الرئيسي فهو التوقف عن التضحية البشرية.
يقام هذا الاحتفال في أول يوم إثنين من شهر أغسطس حيث يقوم عدد من الشباب بالتخفي بارتداء ثوب فضفاض من الأعشاب والقش بحيث لا تظهر منهم سوى الوجوه.. ويدور الشباب على البيوت يدقون أبوابها فيقدم لهم السكان الطعام والشراب.. يجمعون ما يحصلون عليه في أكياس كبيرة يحملونها على أكتافهم.
يتجمع الشباب في ساحة البلدة حيث يتخلصون من القش والأعشاب التي تجمع في كومة كبيرة ومن ثم يتم إحراقها وسط تصفيق الجميع وتهليلهم بأن الدب الذي كان يضمر لهم الشر قد تم إحراقه والتخلص منه إلى الأبد.
احتفال كولاشو
احتفال وثني قديم، لكن بعد انتشار المسيحية في أوروبا تم استبداله بتعميد الأطفال، ومع ذلك لا يزال الكثيرون في أسبانيا يمارسون تقاليد غريبة في إطار هذا الاحتفال الذي يقام ما بين شهري مايو ويونيو ويقال إنها لاستئصال الشر من النفوس.
يتم في احتفال كولاشو ومعناه قفزة الطفل والذي يقام في بلدة كاستريلو ديمارسيا في شمال البلاد وضع الأطفال الذين ولدوا في العام الفائت على مراتب (فرشات) وسط الشارع، ومن ثم يقوم رجال يرتدون ملابس ملونة ومزركشة كأنها ملابس الشيطان بالقفز من فوق الأطفال اعتقاداً منهم أن هذه الطقوس تطرد الشيطان من أجسادهم.
وكان بابا الفاتيكان قد مارس الكثير من الضغوط على رجال الكنيسة الكاثوليكية في أسبانيا للنأي بأنفسهم عن هذه الطقوس الغريبة والمجنونة كما وصفها، والتي تعود في أصولها إلى القرن السادس عشر.
لا توماتينا
في عام 1945 بدأ سكان بلدة بانول الأسبانية تقليداً احتفالياً غريباً يتجمع فيه عشرات الآلاف من سكان البلدة والسياح الذين يفدون إلى البلدة خصيصاً للمشاركة فيه.
تقوم فكرة الاحتفال على أساس تجمع عدد من الشباب الذين لا تتجاوز أعمارهم العشرين حول أعمدة خشبية تشبه أعمدة الهاتف لكنها مطلية بكمية كبيرة من الدهون وذلك في الأسبوع الثالث من أغسطس.مع انطلاق صفارة بدء الاحتفال يهرع الشباب لتسلق هذه الأعمدة التي يوجد على قمة كل منها قطعة من اللحم.. وما إن يتمكن أحدهم من التقاط قطعة اللحم قبل غيره يلقيها على آلاف المتجمعين في الساحة الكبيرة، فينفجر هؤلاء بالتهليل والصراخ ابتهاجاً.
في هذه اللحظة يبدأ الجميع بالتراشق بكميات هائلة من حبات البندورة التي تكون متوافرة في كل مكان، ويوصف الحدث بأنه أكبر معركة بالطعام في العالم. وفي أغسطس الماضي قدر الخبراء كمية البندورة التي غطت أجساد المحتفلين وشوارع البلدة بأكثر من مائة وخمسين ألف حبة جلبت إلى البلدة من مناطق أسبانية مختلفة خصيصاً لهذا الاحتفال.
الركض أمام الثيران
الحديث عن هذا الاحتفال يوصلنا إلى احتفال أسباني آخر هو احتفال الركض أمام الثيران الذي يقام سنوياً في بلدة بامبلونا ويحضره عشرات الآلاف من كل أنحاء العالم.
الفكرة من هذا الاحتفال هي نقل الثيران من منطقة سانتو دومينغو إلى الساحة المخصصة لمصارعة الثيران عبر الشوارع الضيقة والمزدحمة بالمغامرين والمتفرجين والسياح الذين يتراكضون بالعشرات أمام الثيران الهائجة وغالباً ما يقع المغامرون، وهي لعبة شديدة الخطورة قد تنتهي بالموت أو الإصابات البليغة.
مهرجان النار
لا شيء يضيء ليالي الشتاء سوى حريق كبير كما يقول أهل سكوتلندا، لذلك فهم يقيمون مهرجان النار في العديد من مدنهم وبلداتهم، لكن أضخم هذه الاحتفالات ذلك الذي يقام في بلدة«شيتلاند» أواخر شهر فبراير من كل عام. ويسمونه مهرجان «أب هيلي».
وفي هذا المهرجان يتجمع عشرات آلاف المحتفلين ويرتدي معظمهم ملابس تشبه ملابس الفايكينغ ويحمل كل منهم مشعلاً، ويتوجه الجميع إلى الساحة الرئيسية في البلدة حيث يوجد هيكل خشبي عملاق يشبه سفينة الفايكينغ.
حين الوصول إلى حيث يوجد الهيكل الخشبي يدور الشباب حوله وهم يرقصون ويغنون ومن ثم يلقي كل منهم مشعله باتجاه الهيكل لإحراقه وسط صيحات الآلاف.