Quantcast
Channel:
Viewing all articles
Browse latest Browse all 8691

حمود البدر.. شاعر لا يغلب

$
0
0

دار في خلدي وأنا أمر بين زوايا سيرة هذا الشاعر العملاق، ماذا لوكان بين ظهرانينا؟ كيف ستكون مواقفه، في كثير من المواقف التي لا تحتمل سوى الأبيض أو الأسود!

ماذا سيقول عن أحوالنا اليوم! ماذا سيقول عن الرياضة؟ ماذا سيقول عن شعرائنا «الخاوين»، وعن مظاهرنا الأدبية التي أصبحت مثل الثوب تلبس في مناسبة وتخلع في أخرى؟ ماذا سيكتب عن إنسانيتنا الانتقائية، ونحن نغفل عن أشياء ونتظاهر بأشياء؟ ماذا وماذا وماذا.. اقرأوا سيرته وتأملوا فقط ماذا سيكون جوابه!

ولد حمود الناصر اليوسف العبدالمحسن البدر في عام 1870 في محلة البدر في الحي القبلي في مدينة الكويت وتوفي فيها عام 1915.

تزوج وعمره 19 عاما من ابنة عمه، ولهذا الزواج قصة، فحين أفصح عن رغبته في الزواج بها قيل له انها أخته في الرضاع، ولكن حين سأل إحدى عماته عن الحقيقة نفت له ذلك، وأكدت أن الغاية هي منعه من الزواج، فبادر بالذهاب الى بيت عمه وأصر على خطبتها وتحقق له ما أراد.

كان هادئ الطبع، رقيق المزاج، نحيف الجسم، ابيض البشرة، دائم الابتسام، نادرا ما شوهد منفعلا أو غاضبا. عمل في البحر وكان أحد نواخذة الغوص المشهورين في الكويت، وكان مقربا من حاكم الكويت انذاك المرحوم الشيخ مبارك الصباح وشارك في جميع المعارك والحروب التي خاضها، كما كان يتمتع بذكاء نادر وقدرة فائقة على استغلال هذا الذكاء.

بيتان لغز

يحكى أن الشاعر عبدالله الفرج كان في مجلس يدور فيه الحديث عن الشعر فقال بيتين اشترط على الحاضرين حل اللغز فيهما خلال يوم، واشترط عليهم أيضا عدم سؤال حمود الناصر البدر، والبيتان:

عينان لا عينان ناظره

في كل عين من العينين نونان

نونان لا نونان خط يد

في كل نون من النونين عينان

لكن مهلة اليوم التي اعطيت للحاضرين لم تكفهم للوصول الى حل اللغز فلجأوا خفية الى الشاعر حمود البدر الذي اشترط أن يعطيهم الجواب شفهيا فقال: العين هي حوض ماء يستعمل في بلاد الهند في المساجد للوضوء وفيه سمك، والنونان هو السمك الذي فيها. وحين علم الشاعر عبدالله الفرج أن الحاضرين توصلوا الى الحل تأكد له انهم ذهبوا الى الشاعر حمود وأنه أعطاهم الجواب، وحين اعترفوا بذلك حق عليهم الشرط، وخسروا الرهان وأقاموا وليمة عشاء وسهرة.

وكان من عادة حمود البدر أن يختلي على شاطئ البحر في منطقة «الوطية» المشهورة في الكويت وأراد الشاعر عبدالله الفرج أن يداعبه فأرسل اليه من يبلغة رسالة وطلب رد جوابها. قال الرسول للشاعر حمود: «جاك البحر ورده»، فأرسل حمود جوابه يقول: «جاك الجراد وعده"، وحين علم الفرج بالجواب قال: «حمود شاعر لا يغلب».

معركة وقصيدة

ساءت العلاقات بين الشيخ مبارك الصباح وعبدالعزيز متعب الرشيد، وبلغت الأحوال حد الحرب والقتال، فعمد الشيخ مبارك الصباح الى تجهيز حملة كبيرة عام 1318 هـ، والتوجه على رأسها الى موقع يعرف بـ«الصريف» على الحدود بين الكويت ونجد. وفي موقع يدعى «روضة التنهات» عسكرت الحملة استعدادا للتوجه الى الصريف للقتال. وفي هذه الأثناء طلب الشيخ مبارك الصباح من الشاعر حمود الناصر البدر أن يقول قصيدة في هذه المناسبة، وكان للشيخ مبارك غايات سياسية يريد تحقيقها من نظم هذه القصيدة وأهمها التأثير في نفسية خصومه، وحين قال الشاعر ان المعركة لم تبدأ وبالتالي لا أحد يمكنه معرفة نتيجتها قال الشيخ مبارك: لا عليك، انظم أنت القصيدة والنصر لنا باذن الله، فقال الشاعر قصيدة طويلة نستحضر منها هذه الأبيات:

يا راكبين اكوار ست تبارا

فج النحور أفحاز ما بين الأزوار

قطم الفخوذ معلكمات الفقارا

كوم على كيم من القفر ضمار

جن من شرار ومن ضرايب شرارا

عوض النضـا العيرات ما جن بحوار

فتل العضا دار العصا لا تجارا

قطع الريادي ريد حسكات الأوبار

زرفالهن بين الجري والطيارا

لولا اللواحي عانقن قط الأطيار

مثل النعام ان ذير ثم استدارا

وجه على فج يبي منه معبار

ما أحلى مدناهن لهن استكارا

الواقي الله يوم حسن بميثار

من روضة التنهات صبح النهارا

سجوا عليهن يا مساويط الأخطار

الى انتحيتوا والظلال استدارا

مقيال يا ذربين الأيمان مقدار

غزل

يقول الشاعر عبدالله الدويش: عندما وجد أحد شعراء نجد، قال عن حمود البدر إنه كثير الغزل وليس لديه قصائد مدح، فقال حمود البدر: أنا لست بحاجة لأن أمدح أحدا فأنا ابن ناصر البدر، وقال قصيدة طويلة مدح بها حاكم الكويت آنذاك الشيخ سالم المبارك، وأيضاً كان للغزل بها نصيب، يقول في مطلعها:

أنحي الدجا وانجال عن لذ الكرى

جفن من أسباب الحوادث مسهرا

وتنكبن شهب النجوم وغربن

وانجال جنح الليل والصبح أسفرا

وأنا مسيم مستهام كنني..

رتقن على حامي الوطيس المسعرى

قلبي يسوج من العنى في ضامري

سوج المحوص بجال عدن بجهرى

من قلّب الدنيا ودولاب النيا

عيت دواليبه بماله يحصرى

مكارةٍ تفجع بسو افعالها

غدارةٍ عاداتها سبق البرى

وفي القصيدة نفسها مدح الشيخ سالم المبارك وشبهه بالأحنف بن قيس بالحلم وشبهه بإياس القاضي المعروف بالذكاء، وبعنتر بن شداد المعروف بالشجاعة، فقال:

كالأحنف المشهور حلمه والذكا

ياس المسمى والشجاعة عنترا

أعنيك يا زين الجوازي سالم

أن باه مفقود اليقين المبهرا

حيث أنت يا ديم المحول وريفها

جذوة جهامتها منير المجمرا

يا لله يا من لا إله غيرك

ارحم ضعيفاً لك بدأ يتعذرا

وأيضاً للغزل نصيبه:

رعبوبة رقت حواشي حسنها

خود لها لب الفؤاد مسخراً

يشبه غضيض الموز ناعم عودها

من نود نسمات النسيم يصهرا

حرق القصائد

في اخر ايام حياته اعتكف في بيته، ولم يخرج منه أو يقابل الناس. وروى المرحوم عبدالعزيز الدويش الذي كان يتردد عليه في عزلته انه كان يشاهده في وحدته يجلس أمام «الدوة» (الوجار) وأمامه سجائر تسمى «الزباين» وهي نوع من النباك العراقي، وبعض الأوراق التي كان يسجل عليها أشعارة وقصائده. وكان حين ينتهي من نظم القصيدة يعمد الى حرقها واتلافها. وروى أحد أقاربه الذين عاصروه أنه حرم على نفسه نشر شعره بين الناس لأسباب لم يكن من السهل الأفصاح عنها أو تقصى حقيقتها، لهذا كان يعمد الى حرق قصائده في اخر أيامه.

رحمه الله رحمة واسعة، واجزل له الثواب والحسنى فقد كان رجلا شهما، شجاعا، صادقا، خلوقا يتمتع بنبل فرسان العرب ومروءتهم.


Viewing all articles
Browse latest Browse all 8691

Trending Articles