Quantcast
Channel:
Viewing all articles
Browse latest Browse all 8691

على مائدة أهل البيت

$
0
0

دعاء اليوم

اللّـهُمَّ حَبِّبْ إلَيَّ فيهِ الإِحْسانَ، وَكَرِّهْ إلَيَّ فيهِ الْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ، وَحَرِّمْ عَلَيَّ فيهِ السَّخَطَ وَالنّيرانَ بِعَوْنِكَ يا غِياثَ الْمُسْتَغيثينَ.

● عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «أن المؤمن إذا قام ليلة شهر رمضان ثم أصبح صائما لم يكتب عليه ذنب ولم يخط خطوة إلا كتب الله له حسنة وان مات في نهاره صعد بروحه إلى عليين، وان عاش حتى يفطر كتبه الله من الأوّابين».

 

الانتماء إلى الإسلام (1)

 

الإسلام باللسان

ففي الحديث عن الإمام الباقر (عليه السلام) «قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا معشر من أسلم بلسانه ولم يسلم بقلبه». فلقد كان يخاطب الناس الذين كان الإسلام عندهم كلمة ولم يكن فكراً وعقلاً وعمقاً في الوعي، «لا تتبعوا عثرات المسلمين، فإنّه من تتبع عثرات المسلمين تتبع الله عثرته، ومن تتبع الله عثرته يفضحه» (الكافي، ج3). إنّه يريد أن يقول إنّ من يتتبع عثرات المسلمين بحيث يحصي عليهم أخطاءهم وزلاّتهم وعيوبهم ليلاحقهم بها وليوبّخهم وليعيّرهم وليبتزهم بذلك، فهو لا يمثل الإنسان المسلم الذي يعيش معنى الإسلام في عقله وفي قلبه، ولذلك خاطبهم بالقول: «يا معشر من أسلم بلسانه ولم يسلم بقلبه» فكأنّه يقول لهم إنّني أحذّركم مما أنتم فيه من تتبّع عثرات المسلمين، فإنّ الله سبحانه وتعالى قد يجازيكم بمثل ما فعلتم تجاه المؤمنين في الدنيا قبل الآخرة، لأنّ الله الذي يعلم السرّ وأخفى، وهو المهيمن على كلّ شيء، سوف يفتح النافذة للناس على عثراتكم ليفضحكم بها، وهو القادر على ذلك كلّه.

 

بين الإسلام والإيمان

ولعلّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما تحدّث بهذا الحديث في زمنه، كان يشير إلى ظاهرة بدأت تفرض نفسها على الواقع الإسلامي، حيث كان بعض المسلمين يعيشون بعض أخلاق الجاهلية، وهؤلاء سمّاهم القرآن بالمسلمين ولم يسمّهم بالمؤمنين «قالت الأعراب آمنا قُل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا» أي دخلنا في الإسلام سلماً، لنحصل على امتيازات الإسلام وعلى مكاسبه، ولنتفادى كلّ ما قد يحصل لغير المسلم في مسائل الحرب والسلم «ولمّا يدخل الإيمان في قلوبكم» (الحجرات: 14).

هذه الظاهرة منتشرة بين المؤمنين من المذاهب كلّها، فالمسلمون الذين لا يعيشون الإيمان مسؤولية في عقولهم وفي سلوكهم فإنهم يعيشون مثل هذه الظاهرة، ولذلك أصبحنا في عصر، لا يأمن فيه الإنسان في المجتمع المسلم على نفسه ممن يتجسّسون عليه لحساب عقدهم النفسية، أو لحساب فضولهم الشخصي، أو لحساب مصالحهم الخاصّة في ابتزاز هذا وذاك، فهم لا يتجسسون لمصلحة جهاز مخابرات هنا وجهاز آخر هناك، ولذلك فإنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يحذّر من أمثال هؤلاء، سواء ممن كانوا في الماضي أو في الحاضر، أو ممن يعيشون في المستقبل.

 

ولا تنطق

 

«ولا تنطق ألسنتنا إلا بما مثّلت»، أي بما حدّثت، أو بما أكّدت من الحجّة مما ينسجم مع الحقّ، ويبتعد عن الباطل، ويلتقي بالصّدق، وينفصل عن الكذب، وينفع النّاس ولا يضرّهم، ويرفع مستواهم، ويقوّي وجودهم، ويفتح لهم أبواب الخير، ويغلق عنهم أبواب الشّرّ، ويدفع بهم إلى ساحة الحرّيّة، ويبعدهم عن ساحة العبوديّة، ويمنحهم العزّة والكرامة.. فقد أراد الله للإنسان أن يحرّك لسانه بالكلمات الطيّبة المنفتحة على مواقع رضا الله في ما فيه مصلحة الإنسان الحقيقيّة في العمق، وأن يمسكه عن الكلمات الخبيثة المغلقة عن مواقع رضاه، ولذلك، كان لا بدّ له من أن يفكّر في المستوى العالي من الانضباط الدّقيق في الخطّ الفاصل بين الحرام والحلال، في ما يربّي نفسه عليه، أو في ما يسأل الله العون عليه. «ولا نتكلّف إلاّ ما يدني من ثوابك، ولا نتعاطى إلا الّذي بقي من عقابك»، لأنّ الله قد جعل للإنسان أن يبذل جهده في ما يملكه من الطّاقة الحركيّة التي تمثّل المعاناة والمشقّة في الأعمال التي يقوم بها، في المجالات التي تؤدّي به إلى السّعادة التي ينال بها ثواب الله، وتبتعد به عن الشّقاء الّذي ينال به عقاب الله.. لأنّ المفترض في الجهد الإنسانيّ أن يتحرّك في النّجاة من الهلاك، وفي الوصول إلى مواقع السّلامة.

 

حالة روحية وعملية

«ثم خلّص ذلك كلّه من رياء المرائين، وسمعة المسمعين، لا نشرك فيه أحداً دونك، ولا نبتغي به مراداً سواك»، فقد أراد الله للإنسان أن يعيش في نطاق التّوحيد الخالص الّذي يوحي بصفاء العمل في عمق النيّة الدّافعة له، فلا يكون مشوباً بالرّياء الّذي يمثّل الاستغراق الذّاتيّ في الحصول على مدح النّاس له، وثقتهم به، ورضاهم عنه، ولا يكون مشدوداً إلى الحصول على السّمعة الطيّبة لديهم، لأنّ معنى ذلك هو انفتاح العبادة على النّاس لا على الله، ما يعني الشّرك الخفيّ في ما يراقب به الإنسان النّاس إلى جانب الله.. في مضمون العبادة الخاضعة لحركة القلب التي تحدّد مسار حركة الجسد.

وهكذا نجد، أنّ الصّوم ليس مجرّد حالةٍ مادّيّةٍ سلبيّة في ما هي اللّذّة الغذائيّة أو الجنسيّة، بل هو حالة روحيّة وعمليّة على مستوى الالتزام الأخلاقيّ الشّرعيّ الّذي يمثّل صوم الجسد عن كلّ ما حرّمه الله، وقد جاء في الحديث المأثور عن الإمام جعفر الصّادق (عليه السلام): «إذا صمت، فليصم سمعك وبصرك وشعرك وجلدك.. وعدّد شيئاً غير هذا، وقال: لا يكن يوم صومك كيوم فطرك:». وفي كلمةٍ أخرى له: «إذا صمت، فليصم سمعك وبصرك من الحرام والقبيح، ودع المراء وأذى الخادم، وليكن عليك وقار الصّائم، ولا تجعل يوم صومك كيوم فطرك».

 

الالتقاء على المودة والرحمة

 

وعندما ينفتح الإنسان على هذا الزمن الإسلامي، ويرى أنّ شهر رمضان هو شهر الإسلام، فإنّ عليه أن يدرس أوضاع العالم الإسلامي، في كلِّ مشاكل المسلمين وصراعاتهم، لأنَّ المسلم لا يعيش فرديّته في إسلامه، بل يرى أنه جزء من هذه الأمة: «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ..» (آل عمران: 110)، لأنّ المسلم جزءٌ من الأمَّة، لا يختلف في مشاعره وأحاسيسه وميولاته عن أيّ مسلم آخر من أيِّ عرق كان، فالمسلم الأسود مثل المسلم الأبيض، والمسلمون في الغرب مثل المسلمين في الشرق، وهذا ما يجعله لا يشعر بالغربة في أيِّ بلد من بلدان المسلمين، ولا بالحياد أمام أيِّ حالةٍ من حالات الصراع التي يخوضها المسلمون مع المستكبرين. وقد أكّد الحديث الشريف ذلك: «مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الأعضاء بالحمَّى والسهر». وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضاً: «من أصبح لا يهتمُّ بأمور المسلمين فليس بمسلم».

بعض الناس يقول: ما دخلنا في ما يحدث من مشاكل في فلسطين أو في أفغانستان أو في الهند أو في العراق أو في أيِّ بلد آخر، والمفروض أن نهتم بالمسلمين الموجودين في بلدنا فقط؟! ولكنّ هذه الطّريقة في التفكير ممّا ينبغي أن نبتعد عنه؛ فصحيح أن المسلمين يختلفون في مذاهبهم، ولكنهم أمة واحدة: «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا»، وحبل الله هو القرآن وهو الإسلام «وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ» (آل عمران: 103).

وقد يكون هذا التفكير من العصبيّة، والعصبية جاهلية، وقد عبّر الله تعالى عن خُلُق الجاهلية بقوله: «جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الجَاهِلِيَّةِ» (الفتح: 26)، فكلُّ عصبية، سواء كانت عصبيّةً حزبيةً ضد الحزب الآخر، أو عصبيةً قوميةً ضدَّ القومية الأخرى، مع الالتقاء في الإسلام، هي جاهلية، وهكذا العصبيات القبائلية والعشائرية، حتى لو كان أصحابها يصلّون ويصومون ويحجّون ويعتمرون، لكنهم جاهليون عندما يعيشون التعصُّب ضد العشيرة الثانية.


Viewing all articles
Browse latest Browse all 8691

Trending Articles