
بمجرد أن يتأكد دخول الشهر الفضيل، تنطلق ألسنة أهل المغرب بالتهنئة قائلين «عواشر مبروكة»، والعبارة تقال بالعامية المغربية، وتعني «أيام مباركة» مع دخول شهر الصوم بعواشره الثلاثة: عشر الرحمة، وعشر المغفرة، وعشر العتق من النار.
ومن العادات التي تدخل في الجانب الروحاني خلال هذا الشهر الكريم خروج رائحة العود والند والبخور من جل المنازل، حيث رائحة المسك والطيب في كل الأماكن.
يبدأ التحضير لاستقبال هذا الشهر قبل أسابيع، حيث تزدهر تجارة التوابل والفواكه الجافة والحلويات.. إذ يعرف الإقبال على هذه المواد شكلا منقطع النظير، حيث تشتري النساء السمسم واللوز والجوز والفول السوداني (المعروف شعبياً بالكاوكاو).. ليحضرن ما يلزم لاستقبال هذا الشهر.
إفطار رمضان
عند الإفطار تجتمع الأسرة كلها حول المائدة لتتلذذ وتتغدى على ما لذّ وطاب من الوصفات المغربية الأصيلة، الحريرة، الشباكية، البريوات، والسفوف (يقال له ايضاً سلو او التقاوت)، والملاوي والبطبوط والرغايف والمخمار، والبغرير (أنواع من الفطائر) والعصائر والشاي المغربي المنعنع والثمر والشريحة، (هذه الوجبة توجد في كل المنازل المغربية، ثم تضاف اشياء اخرى، على اعتبار مستوى ودخل الأفراد).
لكن تظل الحريرة أهم طبق، بل إنها صارت علامة على رمضان، وهي عبارة عن مزيج لعدد من الخضار والتوابل تقدم في آنية تقليدية تسمى «الزلايف»، ويضاف الى ذلك الزلابية، والتمر والحليب والبيض، مع تناول الدجاج مع الزبيب.
وللحلوى الرمضانية حضور مهم في المائدة المغربية، فهناك الشباكية والبغرير والسفوف والكيكس والملوزة، والكعب، والكيك وحلوى التمر، وبطبيعة الحال فإن تواجد هذه الحلوى يختلف من اسرة الى اخرى بحسب مستواها المعيشي.
رمضان في مدن الجنوب
ينفرد المجتمع الصحراوي بالأقاليم الجنوبية بعادات وطقوس رمضانية عريقة تميزه عن باقي مناطق المملكة، غير ان عدداً منها اندثر أو في طريقه للانقراض. ومن بين العادات الشعبية التي لاتزال متداولة عقد جلسات السمر بعد صلاة التراويح، التي يتم خلالها اعداد الشاي وتناوله على الطريقة المحلية المعروفة بالجيمات الثلاث، وهي الجر (الإطالة) والجمر (الفحم) واجماعة (المجلس)، مع ما يتخلل ذلك من ابداع شعري والتسلي بالألغاز، فضلا عن تبادل الآراء والافكار حول مواضيع وقضايا تهم حياتهم اليومية.
وتغلب على الجلسات الرمضانية في غالب الاحيان ممارسة العاب تقليدية نسجها المخيال الشعبي الحساني بالصحراء على نحو طقوسي واسع، منها لعبة «السيك» ولعبة «اكرور»، وهي لعبة نسائية بامتياز، تعتمد على المهارات والقدرات الذهنية، وكذا لعبة «ضاما» و«الدومينو» فضلا عن لعبة «مرياس» و«دلي» التي يدمن الرجال على ممارستها بالصحراء.
ليلة النصف أو «ليلة النفقة»
تشكل ليلة منتصف رمضان (ليلة النصف) او ما يصطلح عليها لدى المكناسيين بـ«ليلة النفقة» مناسبة تقوم فيها المرأة في مدينة مكناس المغربية، بالإنفاق بدل الرجل الذي يتنازل عن هذه المهمة بشكل مؤقت، فتتكفل بتفاصيل الاحتفال بما يليق بالمناسبة، حيث تذهب الى السوق لاقتناء الدجاج البلدي والخضر والفواكه وشراء مستلزمات مائدة الإفطار والعشاء، الذي يكون متميزا عن باقي ايام رمضان.
ليلة القدر
يصوم الأطفال لاول مرة بعد بلوغ سبع سنوات، فتلبس البنات القفطان او «التكشيطة» و«الشربيل»، وتزين ايديهن بالحناء، فيما يلبس الاولاد الجلابة او «الجبادور» و«البلغة» والطربوش الاحمر، ويحظون باحتفاء خاص من قبل الاسرة وسط طقس مميز، يكمن في تناولهم وجبة الافطار التي تشمل البيض والتمر والحليب على سلم خشبي او من فوق الدولاب.
ويتم احياء هذه الليلة المباركة بطقس تتميز به المدينة، حيث تتوجه الاسر في الصباح لزيارة القبور للترحم على ارواح اقاربهم ممن رحلوا، وبعد اداء صلاة العشاء والتراويح فيما تحضر ربات البيوت كميات كبيرة من الكسكس «بسبع خضار» توزع على المساجد والزوايا، التي يعتكف فيها المصلون الى حدود طلوع الفجر.
ليالي رمضان
تمتلئ المساجد بالمصلين، لا سيما صلاة التراويح وصلاة الجمعة، الى حد تكتظ الشوارع القريبة من المساجد بصفوف المصلين، مما يشعرك بالارتباط الوثيق بين هذا الشعب وبين دينه وتمسّكه بقيمه ومبادئه.
وتتحول ليالي رمضان عند المغاربة الى نهار، فبعد أداء صلاة العشاء، ومن ثم اداء صلاة التراويح، يسارع الناس الى الاجتماع والالتقاء لتبادل اطراف الحديث، وهنا يبرز «الشاي المغربي» كأهم عنصر من العناصر التقليدية المتوارثة، ويحكي المهتمون من أهل التاريخ عن عمق هذه العادة وأصالتها في هذا الشعب الكريم، وظلت هذه العادة تتناقل عبر الأجيال.
وفي بعض المدن المغربية تقام الحفلات والسهرات العمومية في الشوارع والحارات، ويستمر هذا السهر طويلاً حتى وقت السحر.
في عيد الفطر
لا بد ان تعد النساء المغربيات في الأيام الأخيرة من رمضان الحلوى العيدية، حيث يتسابقن الى الفرن، كما يقال باللهجة المغربية «فران الحومة» لطهو كعب غزال والفقاص وغربية الكاوكاو أو الزنجلان والبريوات والكعك المنقوش وبليغات باللوز.
ومن العادات التي لا تزال راسخة ان يذهب الأطفال مع أمهاتهم لشراء الملابس التقليدية للعيد وغالباً ما يحتفظ بألبسة ليلة القدر، ويتم شراء أيضاً الفواكه الجافة وهي التمر والكركاع واللوز والزبيب.
وفي ليلة العيد أيضاً تزدحم صالونات التجميل ليس لتصفيف الشعر أو الماكياج بل لنقش الحناء برسوم جميلة باللون الذهبي أو البني على أيديهن وأرجلهن، وهناك عدة أنواع من الحناء المغربية كالحنة الفاسية والمراكشية، حيث تسمى المكلفة بالحناء بنقاشة الحنة.
كما تعكف المغربيات على تحضير البخور المغربي المكون من الشبة والحرمل ويكون ذا رائحة طيبة كرائحة المسك.
لباس العيد
يلبس المغاربة يوم العيد الجلابية أو الكندورة أو الجابدور، اما الحذاء فيكون موحداً وهو البلغة، وتعد من أقدم النعال المغربية التقليدية، لكن أشهرها هي البلغة الصفراء التي تلبس مع الجابدور لأنها المفضلة عند المغاربة. أما النساء فلباسهن عديد، فهناك الجلابة الفضفاضة، وهناك المطرزة، وهناك المفتوحة عند القدمين، اما الحذاء فهو الشربيل ويشبه البلغة لكنه خاص بالنساء.
وبعد صلاة العيد والاستماع الى الخطبة يقبل المصلون على تبادل التهاني مستعملين هذه العبارات «تعيد وتعاود، وهي المشهورة وعيد مبارك ومبارك العواشر والله يدخلوا عليك بالصحة والسلامة».
وعند العودة الى المنازل تجتمع الأسر على مائدة الإفطار، وعندها يقوم أفراد الأسرة بتبادل التهاني وإعطاء العيدية أو باللهجة المغربية فلوس العيد، وهي خمسة دراهم أو عشرة دراهم أو عشرون درهما، ويكون الفطور دائماً مكونا من الشاي، قليلاً ما يكون معداً بالحليب والقهوة مع الحلوى التي سبق ذكرها، ثم يخرج الأطفال بملابس عصرية جديدة للعب مع أصدقائهم.
وبعد الغذاء يقوم الرجال والنساء وأطفالهم بزيارة الأقرباء لصلة الرحم ويجلبون معهم بعض الحلوى المعدة وبعض البغرير والمسمن والسفنج باللهجة المغربية، وعند الرجوع الى البيت تشغل الأسرة بعض المديح المغربي أو الطرب الأندلسي المشهور عند المغاربة. وفي العشاء يكون الطبق المقدم غالباً هو الكسكس أو الدجاج بالبرقوق والبيض المسلوق.
مائدة الصحروايين
يحبذ الصحراويون خلال الافطار تناول اكلات ووجبات تنسجم مع نمط عيشهم وخصوصية حياتهم الخاضعة لظروف الطبيعة والمكان.
ففي السابق، كانت مائدة الافطار تقتصر على تحضير لحسا لحمر (الحساء الأحمر) المعد اساسا من دقيق الشعير الى جانب التمر والالبان، فضلا عن الشاي الذي يعد مشروبا شعبيا يحتل مكانة استثنائية في العادات الغذائية بالصحراء.
اما في الوقت الراهن، فلا تكاد تخلو اي مائدة افطار شوربة الحريرة وبأنواعها المختلفة الى جانب التمر والحليب والسمك والحلويات وانواع متعددة من الفطائر والعصائر.
وبخصوص وجبة العشاء، فمن النادر تحضيرها بالصحراء، اذ يكتفي الصحراويون بإعداد الشاي مرة اخرى، وتمضية الوقت التسلية عكس وجبة السحور التي غالبا ما يتم فيها تناول اطباق تختلف باختلاف الاذواق والاجيال والمستوى للاسر، من بينها اللحم المشوي (الشي) والمطبوع (طبيخة) والارز والبلغمان المكون من دقيق الشعير الممزوج بالماء المغلي وقليل من الملح والسكر، بإضافة الدهون والالبان فضلا عن شرب الشاي.