
وجه الأسير الفلسطيني ابن مدينة القدس حسام زهدي شاهين، المحكوم 27 عاما والمعتقل منذ شهر يناير 2004 في سجن جلبوع المركزي رسالة إلى برنامج «محبوب العرب» يقول فيها:
أطل علينا هذا الموسم برنامج «محبوب العرب» الذي تبثه قناة MBC بحلة جديدة، فكثرة الأصوات العربية الجميلة على امتداد مساحة وطننا العربي الكبير، وضعت المواطن العربي في حيرة أمام اختياراته، وليس فقط لجنة التحكيم الموقرة. ولا شك في أن هذا البرنامج الذي يساهم في اكتشاف المواهب العربية الخلاقة، وضخ الساحة الفنية بمزيد من الأصوات الطربية الأصيلة يعتبر من أكثر البرامج العربية التزاماً بالمقاييس المهنية والفنية، وهذا ما أكدته القرارات الحكيمة التي اتخذتها لجنة التحكيم على مدار الأسابيع الماضية، باستثناء منح بطاقة الإنقاذ في لحظة مبكرة، عدا كونها اسْتُخدِمَت لمصلحة شخص تم انقاذه سابقاً، مما ميزه عن بقية زملائه بحصوله على فرصتين متتاليتين في الوقت الذي حُرِم فيه آخرون من فرصة واحدة. الأمر الذي لاقى جدالاً وانتقاداً واسعاً في صفوف الأسرى.
رشاقة وعنفوان
قد يستغرب البعض من اهتمام الأسرى بهذه التفاصيل، غير أن مؤشر الحقيقة في «المجتمع الاعتقالي» يؤكد أن تفاعل الأسرى مع القضايا الوطنية والقومية يحمل في طياته بعدا واقعياً راقياً حول كل فعل تقدمي في إبراز الوجه الحضاري لأمتنا العربية. ومن وجهة نظرنا يعتبر «محبوب العرب» برنامجاً فنياً قومياً بامتياز. ونحن الفلسطينيين نمتلك فيه عمقاً وطنياً ذا مظلة قومية من خلال الشاب الموهوب محمد عساف، الصوت الفلسطيني الذي تصدح حنجرته برشاقة شواطئ غزة هاشم، وعنفوان جبال الكرمل والجليل، وعذوبة ترانيم الروح في شوارع وأزقة القدس العتيقة!
فحياة الأسير مملوءة بالهموم والعذابات اليومية، وجزء من الصراع الذي يديره الاحتلال خلف جدران السجون يستهدف اقتلاع الفرحة المصغرة - بحجم المكان الذي نُحتجز فيه- من قلوبنا بِنِيَّة خدمة مشروعه المتواصل لكسر إرادة المناضل الفلسطيني والعربي. وبدورنا نسعى قدر الإمكان وفق الإمكانيات المتواضعة المتوافرة لدينا، إلى خلق وابتكار مصادر بهجتنا، والاستفادة من كل بارقة عطاء تخفف من وطأة الهجوم على معنوياتنا. وعلى هذا الدرب نواصل مشوار كفاحنا من أجل انتزاع حقوقنا من بين براثن المحتل الغاصب. وفي الآونة الأخيرة خضنا اضراباً مفتوحاً عن الطعام استمر قرابة الشهر، وكان من بين أهم مطالبه استعادة بث الفضائيات العربية، ومن بينها قناة mbc . فهل تعلم هذه الفضائيات أن ثمن مشاهدتها كلفنا آلاف الأطنان من اللحم البشري وعشرات الأمراض المزمنة؟!
ظاهرة فريدة
طبعاً ارتأيت توضيح هذه المسألة حتى لا يفهم القارئ أننا نمتلك وسائل ترفيهية مجانية أو أن الاحتلال يمن علينا، وإنما يحتاج كل ما يتوافر لدينا الى تضحيات جسمية. ومن حسن حظنا أنه جاء برنامج «محبوب العرب» ليُشكِلَ اضافةً نوعية، تُضفي اجواءً من البهجة والفرح المؤقتين على حياة الأسرى القاسية، حيث تجد الجميع ملتفًّا ليلتي الجمعة والسبت حول الشاشة الصغيرة في ظاهرة فريدة من نوعها قلما تتكرر في تاريخ الحركة الأسيرة.
نكهة فلسطينية
وكأن الإيقاع الموسيقي الذي تعزفه الفرقة الموسيقية بقيادة المايسترو ايلي العليا ينقلنا الى عالم آخر غير الذي نعيش فيه، والى جانب البسمة الكبيرة والتصفيق الحار الذي تحظى به اطلالة الفنان محمد عساف، هناك معجبون ومشجعون لبقية المواهب المتنافسة، وان كانت النكهة الفلسطينية هي التي تطغى في غالب الأحيان، ويعود ذلك الى أن معظم الأسرى يرون في الحصول على اللقب انتصاراً فلسطينياً على الجهة الفنية، في إثر الانتكاسات المتتالية على الجبهة السياسية، فالفلسطيني في هذه الأيام أحوج ما يكون الى تحقيق أي انجاز، ومحمد عساف يُمثل في هذه المرحلة الروح الفلسطينية التواقة الى الحرية والحياة الطبيعية والكريمة مثل بقية شعوب العالم! كما تُمثل برواس حسين عمق المأساة الكردية المتواصلة!
تفاعل وانفعال
إن المشهد التفاعلي مع البرنامج في داخل السجون يثير استفزاز السجان، ومع اقتراب البرنامج من نهايته، وارتفاع مستوى التفاعل والانفعال مع حلقاته، تزداد نسبة التوتر بين الأسرى والسجانين الذين يستكثرون هذه الفرحة الآنية على وجوه المعتقلين. وأياً كانت النتائج على صعيد التصويت، أو على صعيد الواقع الاعتقالي، فلا مفر أمامنا من تسجيل هذه الشهادة الفخرية بحق البرنامج والقائمين عليه، ونخص بالذكر لجنة التحكيم الرائعة التي امتازت بالمهنية والإنصاف، ويُشَبِّهُها الأسرى إلى جانب مقدميّ البرنامج بأوتار العود الهفة. وفي هذا السياق لا بد من أن نعبر عن فخرنا واعتزازنا بالفنان الكبير راغب علامة وعباراته الوطنية القومية العروبية التي عبَّرت عن مدى حبه لفلسطين القضية والوطن والتي كان لها وقع كبير في نفوسنا كأسرى فلسطينيين في السجون الإسرائيلية.
وفي النهاية تجدر الإشارة الى البراءة الطفولية التي يتعاطى فيها مع البرنامج العديد من الأسرى القدامى الذين مضى على احتجازهم أكثر من ربع قرن، فيكفي أن ترى البسمة على تقاسيمهم، وتستمع لنقاشاتهم المثيرة للاهتمام، لتعرف مدى اشتياقهم الى الحياة ومواكبتهم لتطوراتها، وتكتشف أن محمد عساف تمكن بجدارة من رسم البسمة على وجوه الأسرى!