Quantcast
Channel:
Viewing all articles
Browse latest Browse all 8691

صافحوا يد الثقافة أولاً..

$
0
0

حدثان يبدو أن لا علاقة لأحدهما بالآخر.. أولهما قريب ويتمثل في تكريم مجلس الأمة للمبدعين والكتاب الكويتيين في مبادرة تستحق الإشادة، والآخر لم يكن حدثا بالمعنى الدقيق، بل كان رأيا ضمنيا لوزير الإعلام السابق الشيخ محمد العبدالله الصباح، في لقاء له العام الماضي بأعضاء الملتقى الثقافي، الذي يديره الروائي طالب الرفاعي. الحدثان يلقيان الضوء، كل بطريقته، على مأزق علاقة المثقف بالمؤسسة الرسمية، ومجمل التصورات عن الدور الموكل إلى تلك المؤسسات، ومدى صحة هذه التصورت.

الرابط بين الحدثين كان تساؤلا عابرا من الروائي سعود السنعوسي، عبّر عنه في حديث شخصي، حول حفل التكريم السابق الاشارة إليه، الذي أقامه مجلس الأمة.

أبدى السنعوسي تقديره لهذه المبادرة، لكنه في الوقت نفسه تساءل: هل هذا فقط هو ما يحتاجه المبدع؟!

تساؤل السنعوسي يضعنا أما عدة أمور متشابكة تتصل بعلاقة المؤسسة الرسمية بالمبدعين خصوصا، والثقافة عموما. فالمبدعون يرون المؤسسات الرسمية مقصرة على الدوام في دعمهم ومكافأتهم بما يكفل لهم حياة كريمة، وأحيانا يتوجهون بمطالبات إلى المؤسسات الرسمية لتقوم بما يرونه «دورها» في ترويج أعمالهم الابداعية أو انتاجهم الثقافي.

 

أربعة اسئلة

بالامكان هنا طرح أسئلة عدة:

أولا: هل دور المؤسسات الثقافية الرسمية للدولة دعم «المبدعين»؟ أم تهيئة البنية المؤسسية التي تؤهل كل أبناء المجتمع لاختيار مواقعهم كمنتجين أو مستهلكين للخدمات الثقافية؟ وما الذي يؤهل مؤسسة «بيروقراطية» في الاساس لتقوم بعملية الانتخاب «الثقافي والفني»، فتسمي من تسمي مبدعا، ثم تكرمه؟

ثانيا: ألا يعني تكريم الدولة لـ«المبدعين» أنها صارت جهة تقويم للعمل الإبداعي (حتى لو ادعت أنها تفعل ذلك من خلال لجان متخصصة ومحايدة)؟

ثالثا: كيف نشكو من الدور الرقابي للمؤسسات الرسمية (أحيانا) أو الانتقائي (أحيانا أخرى)؟ بينما نحن الذين أعطياناها تفويضا في كونها الجهة المانحة والمقيمة للإبداع؟

رابعا: هل دور مجلس الأمة هو منح المبدعين هدايا على سبيل التكريم؟ أم أن دوره يتعلق بتهيئة الأساس التشريعي (باعتباره الجهة المسؤولة عن التشريع)، أو طرح مخططات ومشاريع ثقافية تسمح بمزيد من حرية الإبداع والنشر وتداول كل أشكال الانتاج الثقافي والفني والعلمي، من دون تمييز، تلك التشريعات أو البُنى القانونية، إضافة للبُنى المادية، التي تكفل للمواطن أينما كان فرصة الاطلاع والاسهام في تشكيل وصياغة وعي المجتمع وذوقه، والتعرف بحرية على ما يشاء من ثقافات ومعارف أخرى؟

 

اشتراكية أم رأسمالية؟

هنا يأتي كلام وزير الاعلام السابق الشيخ محمد العبدالله الصباح في مكانه، حيث رد، في الجلسة المذكورة، على المطالبات المتكررة، بدعم المبدعين، طارحا في المقابل سؤاله: هل نحن دولة اشتراكية أم رأسمالية؟ وكأنه يقول: هل تريدون دولة راعية ومهيمنة على النشاط الثقافي، أم تريدون دولة لا تتدخل بفرض رؤيتها ووجهة نظرها على المجتمع؟

السؤال، برأيي، في صميم الموضوع. هكذا رأى العبدالله أن الأفضل تشجيع المبادرات الخاصة والفردية التي تكفل حرية المنتج الابداعي. وهذا واضح بطريقة يمكن لنا جميعا أن نؤمن عليها.

 

طرف غائب

هناك طرف غائب في معادلة «المثقف/المؤسسة» هو المواطن ذاته، الذي يفترض به ان ينتخب «مبدعه»، كما يفترض أن يكون هو المستهدف على وجه الخصوص، لا المبدع وحده، بالرعاية الثقافية.

لو كان لمجلس الأمة رغبة حيقيقة في التكريم إذاً، فليكن التكريم موجها إلى «الإبداع» ذاته خصوصا، والثقافة، وليس المثقفين، عموما، لفتح السبل التي تجعل منهما (الثقافة والابداع) أمرا متاحا للجميع وبالتساوي.

لو أراد مجلس الأمة أن يكرم فليكرم المواطن برفع قيود الرقابة والوصاية عليه، وأي مفارقة أن يسكت أعضاء مجلس الأمة (الذين انتخبهم المواطن) عن الاتهام الضمني له بأنه قاصر (أليس ذلك معنى الرقابة؟)، وكيف نشك في قدرة المواطن على تمييز الأفكار واختيار الملائم منها فيما يتعلق بكتاب أو لوحة أو فيلم سينمائي، بينما نمنحه أهلية اختيار مشرّعيه ونوابه؟

 

تكريم الأفكار

أخيرا: أفْضَل من تكريم الكتاب والمبدعين، تكريم الأفكار التي أضاءوا بها جانبا من حياتنا، وإعادة طرح المشكلات التي عبروا عنها، وبمعنى آخر إدخالهم في عملية تكوين الضمير العام، وطرح المعادل الانساني للنظام السياسي.

الخلاصة: علينا أولا أن نصوغ السؤال الصحيح.. ليست القضية تكريم المبدعين، بل تكريم الانسان واحترام عقله، بما يتيح له أن يكون مبدعا أو متمتعا بانجاز المبدعين.


Viewing all articles
Browse latest Browse all 8691

Trending Articles