بيوت الثقافة والأدب والفن في البحرين

للثقافة في البحرين، طعم خاص، ولمثقفيها دور استثنائي، ولطالما أنجبت هذه الأرض مبدعين في كل مجالات الثقافة والأدب والفن، تميزوا بطريقة لافتة، وفريدة، فلم يشبهوا أحدا، وحملوا من خلال أعمالهم المحلية البحرينية، وأجواء البلد، تاريخه وإرثه العميق الممتد إلى اعماق التاريخ، فامتلكوا الخصوصية والهوية، وعبروا بأصواتهم ورسوماتهم وأقلامهم، بألحانهم وقصائدهم، عن تلك الجزيرة التي كانت المحطة المُبهجة والثرية، كعنقود يحمل كل ثقافات الانسانية، يتدلى مشعا خالدا في قلب الخليج.

ومثل هذه الثقافة، لابد أن يكون اهتمام بحجمها وقوتها. ومن خلال تجوالي في المنشآت الثقافية في البحرين، أدركت العمل الجيد الذي حققه القائمون على المجال الثقافي، فقد أبهرتني البنية التحتية، بتنظيمها ومعمارها وشموليتها.

مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة

ان حضارة الشعوب بثقافتها، ولمست ذلك باللمسات الحضارية التي جسدتها على أرض البحرين وزيرة الثقافة الشيخة مي آل خليفة، عبر تدشين مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث. هذا المركز أصبح بمنزلة ملتقى ثقافي، فني، حرفي وموقع اتصال حضاري يقصده الدارسون والباحثون عن العلم والثقافة والمعرفة والتاريخ مما جعله مؤسسه ثقافية رائدة في مملكة البحرين، في سعيها لإثراء الثقافة.

تم افتتاح المشروع في يناير 2012 وقد تم بناؤه في الموقع الأصلي نفسه للمجلس الأول مع المحافظة على النسق المعماري الأصلي للمكان في مدينة المحرق. وكان من أولويات المركز ترميم بيوت تراثية في مدينة المحرق كانت بيوتاً لشخصيات بحرينية رائدة، وإعادة تأهيلها لاستخدامها كبيوت ثقافية وفنية تراثية للحركة الثقافية الرائدة في البحرين.

بيوت الشعر والصحافة والموسيقى

ومن أهم البيوت التي افتتحها المركز بيت عبدالله الزايد الصحافي والناشر البحريني الرائد الذي أصدر أول صحيفة في البحرين والخليج العربي عام 1939، والذي تحول بيته الذي بني قبل مائة عام، إلى «بيت الصحافة»، حيث يجتمع الكتاب والصحافيون البحرينيون والعرب والاجانب لتبادل الأفكار والأخبار، ومراجعة تاريخ الصحافة في العالم. أما بيت محمد بن فارس الذي يعتبر رائداً في تطوير النغم الخليجي، فقد تحول بيته الى بيت الموسيقى، وتحتوي مكتبة البيت على بعض الوثائق والمستندات الخاصة بالفنان والعديد من القصائد التي غناها، إضافة إلى بعض المطربين الذين تتلمذوا على يديه أو غنوا أغانيه لفن الصوت. (أعيد ترميم البيت بدعم من الشيخة حصة صباح السالم).

أما بيت الشعر فقد كان للشاعر البحريني الأهم ابراهيم العريضي، الذي أثرى اللغة العربية بشعره وترجماته للخيام، فأصبح بيته مركزا للشعر والشعراء إلى جانب «خلوة» يستطيع الزائر لها الاستماع الى شعر العريض وقراءة معلقات الشعر وزيارة المكتبة التي تحتوي على دواوين الشعر من كل أنحاء العالم. (وقد تم ترميم البيت بدعم من الشيخة سعاد الصباح).

بيت الكورار وذاكرة المكان

وللتراث الشعبي البحريني جذوره الممتدة عبر التاريخ، ولم تغفل المشاريع الثقافية هذا الجانب، حيث تأسس بيت الكورار في 2007 من أجل المحافظة على الحرف اليدوية البحرينية مثل حرفة الكورار التي مارستها نساء المحرق، حيث تمارس السيدات حرفهن بدعم من المركز.

لقد رأيت النسوة وهنّ يمارسن باستمتاع الحرف اليدوية التي كادت تنقرض في بعض البلدان، ويكتسبن مهارات جديدة، علاوة على انتقال هذه الحرف عبر الأجيال والمحافظة على هذا الارث الذي يعبر عن اصالة الشعوب.

تماما كما في «ذاكرة المكان، فقد احتفظت بها البحرين في عمارة بن مطر حيث يحكي المكان قصة التاجر سليمان بن مطر وعائلته مع تجارة اللؤلؤ. هذا بالإضافة الى بيت القهوة الذي هو عبارة عن ثلاثة منازل قديمة تم دمجها وتحويلها إلى مطعم ومقهى يقدم الوجبات البحرينية الأصيلة. (تم بناء هذا البيت بدعم من بيت التمويل الكويتي).

ان العودة إلى الماضي، هي احترام للمستقبل، والدول التي تعتني بموروثها الشعبي، أنما تبني لأجيالها قاعدة وتشق لهم الطرق لكي لا يكونون بلا بداية. فلا حديث عن حضارة من دون الحفاظ على النسق الكلاسيكي والمعاصر في كل المجالات.

نحو البيت القديم

وكما جرت الأعراف في كل الأزمنة، يستقبل أهل البحرين ضيوف المركز في «النزل» وهو بيت قديم تمت إعادة تصميمه على الطراز المعماري المحلي ليسمح للضيوف بأن تكون زيارتهم تجربة كاملة لاختبار الطابع المحلي اثناء فترة إقامتهم في البحرين. وأن تكون كل الأجواء المحيطة بهم، مستمدة من الطابع الأصيل للبلد، بالتفاصيل ذاتها، روحها وطبيعتها التقليدية.

ومنذ افتتاحه، استقبل المركز العشرات من المفكرين والأدباء والشعراء العرب والأجانب في برنامجه الثقافي. وقد كان الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة قد استقبل في مجلسة عام 1922 الرحالة والفيلسوف اللبناني أمين الريحاني مؤلف كتاب «ملوك العرب» حيث أطلق الريحاني على الشيخ إبراهيم لقب شيخ الشعراء والآدباء في البحرين.

ويضم المركز كتبا قديمة خاصة بالشيخ إبراهيم ووالده وتفسير القرآن الكريم الخاص بالشيخ إبراهيم ودراسات في الأدب والفكر والفن والفلسفة ومراسلات خاصة بالشيخ إبراهيم. ولمن يرغب في الحصول على البرامج الثقافية والاصدارات الادبية للمركز، يمكن زيارة مركز المعلومات الذي هو عبارة عن غرفة قدمها أصحاب بيت قديم بعد عزلها عن البيت الأصلي الذي بني منذ ثمانين عاما.

اقرأ للأطفال

وما لفت انتباهي أيضا من بين بيوت الثقافة، كانت مكتبة الأطفال التي صممت بطريقة مناسبة جدا لاستقبال الأطفال وتشجيعهم على القراءة وتطوير آفاقهم في مجالات مختلفة من العلوم والرسم،.وتحتوي المكتبة على كتب باللغة العربية والانكليزية وتنظم دروسا للقراءة والرسم. وقد افتتح فرع ثان لها في قرية المالكية.

ويذكرنا هذه المشروع، بتلك التي بدأت في أوربا والولايات المتحدة، والمكتبات الجوّالة التي كانت تنشر وتوزع وتساعد الناس، لاسيما الأطفال والفتيان، على القراءة باشراف متخصصين.

متى نلحق بالركب؟

ان سعي الأمم نحو التطور يحتاج، إلى جانب الارادة، خطة تتماشى مع عجلة التنمية وتواكب ركب الحضارة المتسارع من حولنا. ما الذي نفتقده فعلياً كي نشبه البحرين والتي هي على بعد أميال قليلة منا؟ هل نحتاج الى خطة ام الى الارادة ام الى رغبة التطور الحقيقية؟

ان لم يكن كل ما سبق معا،ً فلا اقل من الشعور بالقليل من «الغيرة الايجابية» كي نلحق بالركب الذي يسير من غير أن يلتفت لانتظارنا.

ان أحد معايير التطور في أي أمة هو مقدار انجازها في ميادين العلوم والفنون والآداب، وبالعكس، فان تدهورها، سيكون بإهمالها هذه العناصر المكونة للحياة وأحد أهم عوامل ديمومتها ورقيّها.

المسرح الكبير

على ضفاف الخليج، تم افتتاح أحد أكبر المسارح في العالم العربي وهو «مسرح البحرين الوطني» الذي يعتبر تحفة معمارية رائعة، ليكون مركزا للفعاليات الثقافية.

يقع المسرح، الى جانب المتحف الوطني البحريني وتفصله عنه بحيرة صغيرة.

وقد اوكلت مهمة تصميم المسرح الى شركة ارشيتيكتور ستوديو الفرنسية، وقامت شركة دبليو اس اتكينز اند بارتنرز اوفرسيز بالاشراف على اعمال البناء، وبلغت التكاليف الاجمالية للمشروع 19مليون دينار بحريني (51 مليون دولار).

وقد صمم المسرح بحرفية عالية وذوق راق ليتسع لألف مقعد ومقعد. وهو الرقم المرتبط بحكايات من ليالي ألف ليلة وليلة، وتبلغ مساحته 11869 مترا مربعا، بالإضافة إلى قاعة أخرى تتسع لمائة شخص سيتم تخصيصها لأغراض التدريب وتغطية المناسبات البسيطة واستضافة ورش العمل المختلفة، فيما تتسع مواقف السيارات إلى 290 سيارة، بالإضافة إلى مواقف متحف البحرين الوطني.