
في زمن المادة ماذا نريد؟
وفي زمن طغيان المصالح كيف نتصرف؟
وفي زمن فقدان القيم الإنسانية كيف تثق بالآخرين حتى لو كانوا من أقرب المقربين؟
إنها عينة من الأسئلة التي يطرحها بمرارة على أنفسهم كل الذين يشعرون أنهم غرباء عن هذا الزمن، وخارج سرب ناكري الجميل، والباحثين عن مصالحهم بكل السبل والوسائل حتى الأكثرها قذارة ودناءة، تنم عن اللؤم المتأصل في نفوسهم.
ويكفي أن ننظر حولنا، ونمعن النظر بالوجوه التي تحيط بنا، وندقق بالكلمات «المعسولة» التي نسمعها، ونراقب تصرفات وحركات هذا أو ذاك من الذين نتعامل معهم أو نمد لهم يد المساعدة أو نقدم لهم أي خدمة، حتى نتأكد من أن الغالبية العظمى منهم، انطوت ابتسامته وكلماته وعباراته وتصرفاته على النفاق والمجاملة الكاذبة التي غايتها تحقيق أغراض شخصية لا أكثر ولا أقل.
فالثقة باتت شبه معدومة بين الناس، والكسب حل مكان الأخذ والعطاء، والعلاقة مع الناس تكون وثيقة ومتينة مادامت تحقق مصالح الطرف الآخر، وما إن تنتهي حتى يدير لك ظهره دون أن يسمعك كلمة «شكرا»، ودون أن يعبر عن أدنى مشاعر الامتنان.
ويصبح نكران الجميل والنفاق والخداع مرا ومؤلما وطعنة عميقة في القلب والوجدان، وجرحا لا يندمل وينزف باستمرار عندما يأتي من شخص عزيز ينكر كل تضحياتك لأجله، ولا يكتفي بذلك بل يناصبك العداء والإساءة، وحياتنا اليومية مملوءة بالقصص والحكايات والأمثلة الحية، فكم من ابن تنكر لوالديه، وكم من أخ أساء لأخيه، وكم من صديق خان معنى الصداقة، وكم من زوج عندما تبدلت أحواله أنكر تضحيات زوجته واستبدل بها أخرى، وكم من زوجة خانت أمانة الزواج، وكم هي المرات التي مددنا فيها يد المساعدة لأشخاص لا نعرفهم وبعد ذلك يديرون ظهورهم لنا ويبخل علينا بكلمة شكر لأنه من نوع «إذا أكرمت اللئيم تمردا».
لذلك كان لا بد من طرح السؤال على مجموعة من الشخصيات من مختلف الفئات، عما صادفهم من نكران للجميل من أشخاص تحركهم مصالحهم، وجعلوا المادة معيارا لكل علاقة وكيف تصرفوا، والآثار التي تركتها في نفوسهم، والدرس الذي استخلصوه من هذه التجربة المرة.
زمن المتسلقين
وتنهدت المحامية سارة الدعيج عندما سألتها عن ما تريده وتبحث عنه في زمن الماديات ليأتيني الجواب صادما مملوءا بالمرارة والوجع قائلة:
أنا أبحث عن انسانية كل شخص.. لا يهمني مركزه وغناه أكان فقيرا أو شيخا يهمني الانسان نفسه.. كذلك أبحث عن الاصالة والمبادئ والقيم الاخلاقية في كل واحد منها وأسأل أين هي؟ ولماذا اختفت؟ وماذا يحدث؟ هل من المعقول أن تطغى المصالح الشخصية والنكران في علاقاتنا الانسانية؟
استطيع القول وللأسف الشديد أن هذا الزمن هو زمن المتسلقين والمنافقين وأصحاب الكلمات المعسولة وما أكثرهم في مجتمعنا نراهم في كل مكان.. في عملنا وفي حياتنا العامة يتبوأون مراكز عليا وصلوا اليها بالتزلف والمداهنة ومسح الجوخ والتلون، ولو على حساب كرامتهم وعلى حساب الكلمة الطيبة الصادرة عن القلب، حتى أن البعض أصبح يتعامل معهم بالأسلوب ذاته «ليمشي اموره» حتى «اليهال» تعلموا هذه اللغة من أهلهم.. وقد تسألينني وما العمل وكيف سنعود الى إنسانيتنا؟ الجواب على ذلك صعب ومستحيل لان الدنيا تغيرت وتطورت، اما اذا اردت رأيي القانوني كمحامية فـ«أحطهم بالسجن ليتخلص الناس من أذيتهم واحكم عليهم بالإعدام».
لغة التحاور
وتشاطرها سعاد يوسف حمادة معلمة تربية بدنية الرأي وتضيف قائلة:
نحن نعيش في زمن «شيلني وشيلك» وكل واحد بروحه.. ويا الله نفسه حتى على أهله.. نعم نحن نعيش في زمن مخيف انقلبت فيه المفاهيم الاخلاقية للناس.. وأصبحت المادة والمصالح الشخصية لغة التحاور والتخاطب علنا وبدون خجل.. نعم هكذا وللأسف الشديد على حساب الصدق والوفاء واللمسة الحانية.. واختفت كلمات شكرا.. و«عساك عالقوة».. و«بيض الله وجهك» من قاموسنا والتي كانت تشرح صدرنا عندما نسمعها ونشعر بان الدنيا لا تسعنا.
وتشير حمادة الى أن الأهل في الأول وعلى الرغم من انهم غير متعلمين كانوا يغرسون في نفوس اولادهم القيم والمبادئ والأخلاق منذ الصغر، ويتوراثها جيلا من جيل أما الحين الأهل «لاهيين عن عيالهم» بأمور الدنيا والحياة والعمل و«تاركينهم» للشغالة اضافة الى التكنولوجيا ووسائل الاتصال التي غزت بيوتنا دون رقابة ساعدت في انحسار هذه القيم.
حكاية أخ
وترتسم علامات الحزن على وجه سالم عبدالله عندما طرحنا عليه السؤال نفسه وكأنه استعاد ذكرى مؤلمة، ويبوح لنا بأن كثيرة هي المرات التي تعرضت فيها لنكران الجميل من أشخاص كنت أتوسم بهم الخير، لكن أصعبها كان من أخي الأصغر، فأنا يا سيدتي رضيت أن أقطع دراستي قبل أن أكمل الثانوية، وأتيت إلى الكويت للعمل بعد وفاة الوالد حتى يكمل أخي تعليمه، ولهذا السبب كنت أكتفي بالقليل وأحرم نفسي من الكثير من الأشياء التي يحتاجها شاب في مثل عمري، حتى أوفر مصاريف دراسته حتى أكمل الثانوية والجامعة، ويا ما كنت أسمع منه عبارة «الله يقدرني على رد جميلك».. ولكن بعد تخرجه منذ عشر سنوات انقطعت أخباره عني ولا يرد على رسائلي واتصالاتي، وعندما سأله أحد الأقارب عن سبب تصرفه معي رد عليه بأن شغله يأخذ كل وقته، وفهم منه أنه يخجل بي.. بعد ذلك نسيت أن لي أخا ولسان حالي يقول: «أعلمه الرماية كل يوم ولما اشتد ساعده رماني».
مساعدة الزملاء
أما منى حمد فلها مع نكران الجميل والجحود حكاية ما زالت تعيشها حتى اليوم، وأخبرتنا عن قصتها قائلة:
قبل ستة أشهر كنت موظفة لكن طيبة قلبي ومحبتي للناس وشعوري بالواجب تجاه زملائي وزميلاتي بالعمل ومساعدتي لهم أدت إلى جعلي عاطلة عن العمل منذ ستة أشهر، والسبب زميلة جديدة أخذت بيدها منذ اليوم الأول لانضمامها إلينا ودربتها وساعدتها وعرفتها على كل التفاصيل الخاصة بالوظيفة حتى أجادتها تماما، لكنها كانت من نوع «يتمسكن حتى يتمكن»، حيث كانت من وراء ظهري تتصل بالمدير وتنقل له أخبارا كاذبة عني، أو تضخم بعض الأخطاء التي تقع من بعض الزملاء وتخبره بأنني أشجعهم على الإهمال والتقصير بواجباتهم، وهكذا تفاجأت بقرار فصلي من العمل لتتسلم هذه الفتاة مكاني بعد أن سيطرت على عقل المدير وقلبه، وكنت ضحيتها الأولى للأسف.
طمع الشقيق
كأنني لمست وترا حساسا في قلب ومشاعر نورة فيصل عندما سألتها عما فعل بها زمن الماديات، فقالت بحرقة، هذا الزمن سرق مني أخي الذي كنت أتوسم فيه خيرا، فقد دفعه طمعه إلى استغلال مرض أبي قبل وفاته واحتال عليه ليوقع أوراقا مكنته من الاستيلاء على أملاك الوالد، وحرماننا من الميراث أنا وأختي وثلاثة أشقاء آخرون، مما دفعنا الى رفع دعاوى عليه أمام المحاكم وما زلنا ننتظر الحكم.. ولذلك لم أعد أثق بأحد وأتجنب الناس، وأدعو الله أن يهدي أخي لعله يعيد إلينا حقنا، ويأخذ حقه كي لا تزيد الأحقاد بيننا.
لماذا نبض الناس؟
وللناس في الشارع ومختلف المواقع همومهم ومعاناتهم يجدون في نبض الناس مساحة يعبرون من خلالها عنها لتكون رسالة الى كل من يهمه الأمر لإيجاد حلول لها خدمة للصالح العام ولغد أفضل.