
يتهم الكثير هنا في الكويت المستشفيات الحكومية بالتقصير في أداء وظائفها، وبقلة مهاراتها وكفاءاتها، وإن كان البعض يقدم إثباتات على ذلك، إلا انه من غير المنصف أبدا أن نعمم، ولا نشيد بأداء الأطباء والممرضين وحتى عمال النظافة، الذين يسهرون على راحة المرضى في مختلف مستشفيات البلاد.
ما دفعني لكتابة هذه القصة، هو تجربة شخصية عشتها بمفردي ومن دون واسطة في مستشفى الصباح للولادة، إنها تجربة أرغب في تقاسمها مع القراء لأوجه تحية إلى أطباء وممرضات هذا المستشفى الذين يعملون بجد وتفان بعيدا عن الأضواء.
كانت الساعة تشير إلى منتصف النهار من يوم الثالث والعشرين من أكتوبر الماضي، حين فاجأني المخاض. كنت بمفردي عاجزة عن قيادة السيارة، وحتى عن لملمة أغراضي. نزلت إلى الطريق العام قبالة بيتي، وأوقفت سيارة أجرة، مضى بي سائقها إلى مستشفى الولادة بمنطقة الصباح الطبية.
أخذت وصفة ورقما وحين هممت بتوقيعها عند الموظفة في الشباك، أوشكت على السقوط لكني تمالكت نفسي، حتى ركضت إحدى العاملات صوبي وساعدتني على الجلوس على الكرسي المتحرك.
سارت بي هذه العاملة إلى مكتب الطبيب خالد الذي كان محاطا بثلاث ممرضات.. فوجئت الممرضات بكوني بمفردي، وسألتني إحداهن إن كانت وثائق الدخول بحوزتي (صورة عن بطاقتي المدنية وصورة بطاقة زوجي وصورة عن عقد الزواج)، فيما كان الطبيب يفحصني.
حالة من الاستنفار شهدها المكتب، لكن الطبيب هدّأ من روع الممرضات، وقال إني لن ألد قبل ساعتين.
ساعدتني ممرضة على التمدد على السرير، لكن قبل أن أنقل إلى جناح الولادة قامت ممرضة اخرى بجرد محتويات حقيبة يدي، وأخذت رقم هاتف زوجي لتتصل به وتسلمه متعلقاتي التي جردتها قطعة قطعة وبطاقة بطاقة.
في جناح الولادة
لا أذكر أي جناح نقلت إليه، لكن قاعة الولادة كانت بها ممرضة فليبينية أحاطتني برعايتها وساعدتني على تجاوز الألم بتدريبي على طريقة التنفس السليمة، لكن حين اشتد الألم سألتها أن تطلب طبيب التخدير، ليحقنني بحقنة ابيدورال.
كان الطبيب المختص في التخدير غاية في الأدب والاحترام، حيث شرع في شرح مفعول هذه المادة وطريقة عملها.. و... و... لكني طلبت منه أن يحقنني وينهي ألمي ،فما كان إلا أن استجاب لي.
استسلمت للنوم لمدة ساعتين وحين استيقظت أخبرتني الطبيبة إيمان بأنني أوشك على الوضع، وبالفعل ما هي ألا بضع دقائق حتى تمت الولادة بحمد الله.
بعدها جرى نقلي إلى غرفة المراقبة ثم إلى الجناح، حيث حرص طبيب الولادة على مراقبة وضعي فيما فحص طبيب الأطفال طفلي، ودربتني المختصة في العلاج الطبيعي على بضع حركات لتجاوز آلام الظهر.
بعد ليلتين خرجت من المستشفى وفي ذهني العديد من الأسئلة، لم يُصرّ البعض على هدم الموجود، وعلى التقليل من شأن الرعاية الصحية في البلاد؟
ما لمسته في مستشفى الولادة بمنطقة الصباح من اهتمام بالمريضات سواء من ناحية الرعاية الصحية وحتى طريقة التعامل الراقية، التي تنم عن اختيار واع ودقيق للممرضات والأطباء، يدل على أن هناك من يعمل بأخلاق ومهنية عالية تستوجب التقدير من السلطات، في وقت يواجه فيه القطاع الصحي هجوما يقال انه بسبب تدني مستوى الخدمات. وان كان جزء من هذا الكلام صحيحا، إلا أن ذلك لا يمنع من مكافأة المجدين حتى يكونوا خير مثال وقدوة.
للولادة بريستيج أيضا
كنت ألتقي سيدات حوامل كل واحدة منهن كانت تخطط للولادة في مستشفى خاص معين، فالبعض حجزن للولادة مقابل 1000 دينار والبعض الآخر مقابل 3000 دينار، لكني كنت دوما أسأل: هل ظروف الولادة تتغير بتغير تكلفة الاستشفاء؟ فكانت الإجابة واحدة: لا تختلف الولادة من مستشفى إلى مستشفى، ولكنها الكماليات التي يوفرها المستشفى للأم الزبونة، فهناك من تختار جناحا إمبراطوريا وأخرى جناحا ملكيا أو غرفة خاصة، وتتفاوت العروض من حيث استقبال الأم ونوعية الشوكولاتة التي تقدم والقاعة التي يستقبل فيها المهنئون بالمولود الجديد.
بين العام والخاص
ليست كل المستشفيات العامة جيدة مثلما هو الأمر بالنسبة للمستشفيات الخاصة التي يهرب إليها البعض بحثا عن خدمات نوعية، ولي من التجارب ما يثبت ذلك. قبل أربع سنوات كانت ابنتي تعاني من إمساك دائم، فأخذتها إلى عيادة خاصة.
في العيادة، وأثناء الفحص شكّت الطبيبة في أن تكون ابنتي مصابة بفقر الدم، وبعد التحاليل تبين أن الأمر لا يتعلق بفقر الدم.. لكن الغريب وبعد ثلاث جلسات مع الطبيبة وزوجها، سألتني الطبيبة: «هل ابنتك مصابة بإمساك؟»، ولكم أن تفكروا في ردة فعلي بعد أن تبين لي أن الطبيبة لا تعرف السبب الذي من أجله أتردد عليها.
وأما دكتورة أخرى في مستشفى خاص آخر، فتركت مكانها لإجراء سونار لمولودي بصعوبة، لأنها كانت منهمكة في الدردشة عبر فيسبوك.
هذه السلوكيات التي تعزز الطابع التجاري للعلاج في القطاع الخاص وتنسف المهمة النبيلة للطب، نادرا ما يواجهها المرضى في القطاع العام، حيث لا يزال الطب يحتفظ بإنسانيته، لكن طاقمه بحاجة إلى إعادة اعتبار وتقدير ليحافظ على مستواه ويعززه.