Quantcast
Channel:
Viewing all articles
Browse latest Browse all 8691

أدب للطفل.. أم أدب «للكبار» بضمير مستتر؟!

$
0
0

في زيارتي لمعرض الشارقة لكتاب الطفل أخيرا، وبينما كنت أتجول بين دور النشر العربية والأجنبية، كان الفرق واضحا في كل شيء، بدءا من غلاف الكتاب إلى موضوعه.

استوقفني أحد المسؤولين عن دار للنشر وأنا أتصفح مصورا يستعيد قصة الإلياذة. همس لي المسؤول: «حضرتك صحفي؟»، وتابع، بعد ان هززت رأسي بالموافقة، «لدي كتاب أحب أن تقرأه وتكتب عنه.. كتاب عن تاريخ الأزهر».. أنت تعرف أن «الأزهر» الآن يتعرض لحملة عداء .. ونحن نريد أن نقول للطفل..

مررت بدار نشر أخرى عربية على رفوفها أعمال المترجمة لألبير كامي مثل «الطاعون»، و «الغريب» وأعمال لسارتر مثل «الغثيان» و «الذباب»، إضافة إلى أعمال أخرى لا أعرف ما صلتها بالطفل. تناولت أحد الكتب.. «الجريمة والعقاب» لدوستويفسكي، لأن حجمه دفعني للشك.

كان واضحا أنه ترجمة غير كاملة ودون إشارة لذلك. وأصر صاحب دار النشر على أن الكتاب الذي بين يدي هو «الترجمة الكاملة» رغم أن حجمها يبلغ نصف الطبعة المعروفة التي ترجمها سامي الدروبي، وكان هذا هو الحال مع معظم الأعمال الأخرى.

 

ماذا نتصور؟

ربما كان تصورنا عما نسميه «أدب الطفل» يعكس أزمة خاصة في «ثقافة الكبار» و «أدب الكبار» أكثر مما يعكس الرغبة في خدمة حقيقية للطفل أو شغفا بالكتابة في هذا النوع الأدبي.

فما الذي تصوره صاحب دار النشر، الذي حمل معه صناديق لأعمال كامي وسارتر ودوستويفسكي وأندريه مالرو.؟.إلخ، وإذا تجاوزنا عن كونها أعمالا لا تبدو ملائمة من حيث تعقيدها الفكري، فكيف سيصطدم هذا الطفل الذي تصور أنه قرأ الأعمال المترجمة الكاملة حين يكتشف بعد ذلك أنها ترجمات مختصرة بلا إشارة ولا احترام للقارئ. سيعتقد أن الرواية أو العمل الأدبي عموما هو مجرد «حدوته» يمكن وضعها في عدد أقل من الصفحات، وليس فقط لملاءمة السن، أي سيبني تصورا خاطئا من البداية عن فكرة العمل الأدبي وجماليته وطبيعة بنائه ودلالة هذا البناء. إضافة طبعا إلى الاستسهال في ما يتعلق بعدم الأمانة في النقل والترجمة.

 

سياسة تربوية

أما صاحبنا الهامس بكتاب «الأزهر» فقصته قصة أخرى. إنه استمرار، ببساطة، للسياسة التعليمية التربوية التي ترى إلى الطفل كموضوع لاستمرار أفكارها ورؤاها ومشكلاتها ومواقفها المأزومة أصلا، مع قدر من التزييف «الأيديويوجي» بحجة أننا نريد للطفل أن ينشأ على المثاليات التي لا نؤمن بها نحن أصلا، دون أن ندرك أو نحاول إدراك أن أزمة عدم إيماننا بمثلياتنا التي نصدرها للطفل تعني أنها توقفت عن أن تكون مثاليات فعلا، وأصبحت مجرد وعي زائف ومأزوم.

تذكرت ساعتها أن أهم ما يميز قدر كبير من ثقافتنا ، حتى النخبوية»، أنها عملية ردم ونسيان ممنهج للطفولة الحقيقية التي ممرنا فيها، الطفولة التي ربما لم نرها حتى ولم نعشها، ولكن نقوم باستعادة زائفة لها ونحن كبار؛ أي نسقط أزمة حاضرنا على طفولتنا بدلا من أن تدفعنا أزمة الحاضر لفتح باب الطفولة التي لم تحدث أبدا.

نفعل ذلك لنهيل التراب على دوافع لا نفهمها تحرك حياتنا، ورغبات قمنا بكبتها لحساب المجتمع دون برهان واضح أو حوار.

 

إهالة التراب

يتصور كاتب الأطفال «العربي» أنه تجاوز مرحلة الطفولة، فهو يطل عليها من عليائه ليفرض على أطفال جدد تكرارا لأزمات وعيه وصراعاته الحاضرة. بينما كان من الممكن أن تكون الكتابة للطفل هي فرصته للإطلالة على العالم الذي خلفه مغلقا وراءه، إنه لاينتظر من الطفل أن يبدع، بل أن يكرر تصوراته عن «الإبداع»، إنه لا ينتظر من الطفل أن يفاجئه إلا بأن يقلد صورته مثل قرد في المرآة.

لدى عائلاتنا تقليد اجتماعي يقع فيه كتّاب الطفل أنفسهم. فحين يتحدث أمامهم طفل بلغة «الكبار» يسعدون به جدا، ويستحضرونه في كل جلسة كأعجوبة، ولا يعرفون أنهم بذلك يربون مسخا يعجز عن ابتكار لغة خاصة به، لغة مساوية لوعيه الفعلي، وليست استعارة ولا تقليدا.

«أردت أن أقول للطفل..» هكذا يتحدث كاتب أو كاتبة الأطفال، ويتبع ذلك عادة بالكلام عن «قيمنا الأصيلة.. حبنا للعربية، تراثنا العظيم».. هذه ليست كتابة للطفل بل لقتل الطفل الذي بداخلنا نهائيا، لإخراسه ومحوه عن طريق قتل مزيد من الأطفال الأحياء فعلا، أعني قتل المستقبل.


Viewing all articles
Browse latest Browse all 8691

Trending Articles