
تدور أحداث رواية نادي السيارات، الصادرة حديثاً عن «دار الشروق»، للروائي علاء الأسواني، في الفترة من 1914 حتى قبيل ثورة 1952، وتتخذ من نادي السيارات، كمؤسسة تم إنشاؤها في أحضان ملك مصر السابق والإنكليز، كنقطة كاشفة لفساد السلطة الحاكمة في مصر قبل ثورة يوليو، ومحاولة شرح التناقض الطبقي الكبير بين أبناء الشعب المصري جميعا، والأجانب وأبناء الطبقة المحتمية بهم.
يتعرض السارد لأسرة أحد «الصعايدة»، الذين عملوا في هذا النادي، ومات جراء قوانينه القاسية، وفي نوع من الصفقة بين زوجة الصعيدي الراحل ومدير النادي مستر رايت، تم تعيين اثنين من أبنائها في مقابل ألا تلجأ إلى القضاء للمطالبة بمعاش لزوجها من النادي.
مقدمتان
يمكن القول ان الرواية تبدأ بمقدمتين، الأولى جاءت كلقاء غير متوقع مع المؤلف الذي فوجئ بدخول صالحة همام وأخيها كامل همام عليه، ليعترضا على أنه لم يسجل مشاعرهما كما ينبغي في نصه، وهي مقدمة فنتازية بدت مفارقة تماماً للنص ذي البنية الكلاسيكية.
أما المقدمة الثانية فكانت أشبه بمسح سردي بسيط وجميل لتاريخ صناعة السيارات، والمحاولات التي بذلت فيه من قبل كارل بنز ـ مخترع السيارة ـ وزوجته بيرتا، وصولاً إلى دخول السيارات مصر في نهايات القرن التاسع عشر، وإقبال المصريين عليها حتى تولدت الحاجة عام 1914، إلى وجود ناد للسيارات كي يضع القوانين الحاكمة لعملية سيرها في الشوارع المصرية، كان من المفترض أن يقتصر النادي في عضويته على غير المصريين، لولا الخوف من عداء الصحافة له، فسمح للطبقات العليا بذلك مع الرئاسة الشرفية للملك فؤاد عليه.
عالم الخدم
ثمة مقدمة ثالثة وضعت كحجر أساس للانطلاق نحو العالم الروائي، الذي ستدور حوله أحداث الرواية، وهو عالم الخدم في نادي السيارات، جاءت هذه المقدمة عن مراتب الخدم، وأسمائهم ووظائفهم وكيفية تدريبهم وتعليمهم، وأهمية أن يكونوا من اللون الأسود الفاحم، وصفاتهم الجسدية والفكرية وسلوكياتهم الشريفة والنبيلة وفقاً لقانون الخدمة، وفي اعتقادنا أن هذه المقدمات الثلاث هي الأهم والأبرز وربما الأفتن في عالم الرواية التي يبلغ عدد صفحاتها 650 صفحة من القطع المتوسط، إذ أنها احتوت على طرح جديد على الكتابة وعوالم بكر لم تتعامل معها الرواية المصرية من قبل.
تدور أحداث الرواية حول أسرة عبدالعزيز همام، الذي خسر أطيانه وممتلكاته في الصعيد، وجاء ليعمل فراشاً في مدرسة، وبالواسطة حصل على مهنة مساعد مخزن في نادي السيارات، ونظراً لضغوط الحياة أراد توسيع رزقه، فعمل مساعداً لسايس النادي، فوضعه حظه العثر أمام «الكوو» ـ شماشرجي الملك ـ المسؤول عن الخدم العاملين في النادي.
ولأنه لم ينحن كما ينبغي وأشاح بوجهه عن «الكوو»، فقد قرر الأخير ضربه وفقاً للقانون المعمول به مع الخدم، لكن لأنه صعيدي فقد شعر بالمهانة ومات في بيته كمداً، لتبدأ الأحداث التي تعرض لمصائر الأبناء الأربعة من بعده، وهي مصائر تشبه أفلام السينما المعتادة، حيث سعيد الأناني الذي يحصل بالكاد على دبلوم الصنائع ويعمل مدرساً، وكامل المثقف الذي يعمل بدلاً من والده كمساعد مخزن في نادي السيارات، ويدرس في كلية الحقوق وينتمي إلى شعبة الوفد في الجامعة ضد الملك والاحتلال، وصالحة التي تترك تعليمها للتزوج من تاجر أعلاف ضعيف جنسياً ومدمن للمخدرات، ومحمود ذي البنية الرياضية القوية والقدرات الذهنية البسيطة، والذي يترك مدرسته، ويعمل في توصيل طلبات النادي إلى الأعضاء في المنازل.
تقاطعات
ما بقي من شخوص تأتي كنوع من التقاطع مع أسرة عبد العزيز همام من جانب ومع نادي السيارات من جانب آخر، فالأمير شامل الذي يرى نفسه مصرياً، ويرغب في جلاء الإنكليز وإسقاط فاروق يأتي ظهوره كصديق لكامل، لنكتشف قرب نهاية الرواية أنه رئيس التنظيم السري الذي يسعى لإسقاط الملك، وميتسي ابنة مستر رايت مدير النادي، هي التلميذة التي رشحها الأمير لكامل كي يعطيها دروساً في اللغة العربية تحسيناً لدخله، وروزا هي السيدة التي جندت محمود كي يكون عشيقاً ثم ممارساً للجنس مع العجائز في مقابل أجر، وفوزي هو صديقه وابن جارهم محمد حمامة وشقيق زوجة سعيد، بالإضافة إلى الملك والكوو ومستر رايت والبرمان بحر وركابي الطباخ والمتر شاكر، وحسن طربوش المشرف على صالة القمار، وجميعها شخوص لا تتبدى أهميتها إلا من خلال علاقتها بأبناء أسرة همام، مما يجعلنا أمام رواية ليست عن المكان ولكن عن الأسرة.
تتمتع الرواية بخلطة سحرية تجذب القارئ العام، ففيها الجنس ومشكلاته وشخصياته وأحداثه، وفيها اللغة البسيطة السهلة، والأحداث المشوقة عن عالم يشبه عوالم نجيب محفوظ، فيه الأمراء والأثرياء، وفيه البلطجية والفتوات، وفيه الخدم وعامة الشعب، وفيه أبناء الطبقة العليا، الذين لا يريدون أن ينتموا إلى طبقتهم، وفيها البطل الشعبي الذي ينتصر للفقراء في موجهة البلطجة والأغنياء، كعبدون الذي بدا كحالة نشاز في وسط هذه الشبكة من علاقات الخدم وأسرة عبدالعزيز همام. وفيها المشاهد المتقطعة على غرار السيناريو السينمائي، وفيها الحكي في خطوط متوازية: تارة عن عالم الخدم، وأخرى عن نادي السيارات، وثالثة عن أسرة عبدالعزيز همام.
بعيداً عن التجريب
هذه الخلطة السحرية كانت قادرة على تقديم رواية تتمتع بمختلف عناصر التسلية، مما يجعلها واحدة من أهم روايات البيست سيللرز، لكنها تظل في إطار الكتابة الكلاسيكية، ولا يمكن وضعها في إطار المغامرة على التجريب الروائي، وهو ما يجعلها تتسق مع نفسها، مثلما يتسق كاتبها مع نفسه في هذا الإطار، فهو لا يقدم عالماً تجريبياً، بقدر ما يطرح قدرة على جذب أكبر قدر من الجهور وفقاً لقواعد الانتشار ومخاطبة القارئ العام الباحث عن التسلية والترويح عن الذات.
تبدو مشكلة نادي السيارات في الطول المفرط، فقد تخطت حاجز الستمائة صفحة، حتى أن المشاهد الحوارية وصلت في بعض الأحيان إلى صفحات، وهي بالأساس لا تعتمد على الرصد والتحليل النفسي، بقدر ما تعتمد على الوصف ثم التبادل الحواري، وكأننا أمام سيناريو وليس امام عمل روائي.
ويبدو أن الأسواني كان منتبهاً إلى ضرورة الجمع بين الفنين، حتى أن تحويلها إلى الشاشة الصغيرة أو الكبيرة لا يحتاج إلى سيناريست لمعالجتها، بقدر ما يحتاج إلى مخرج للتعامل مع النص مباشرة، ولعل المقدمات الثلاث كانت تعد بعمل روائي قادر على تقديم نقلة مضافة إلى عالم الكتابة الروائية، لكن المؤلف سرعان ما استسلم إلى حرفية الحوار وتوازي الخطوط الحكائية، ساعياً إلى تقديم رواية أصوات عبر ذكر اسم الشخصية، ورصد الحدث من خلالها، كما حدث مع صالحة وكامل، ابني عبدالعزيز همام، فضلاً عن رصده هو كمؤلف أو راو عليم لما يجري في النادي أو مع الكوو، وهو ما جعلنا أمام سلة من الأصوات التي تحير النقاد في تصنيفها، فضلاً عن عدم وجود مبرر فني للمقدمة الخيالية التي طرحها عن دخول صالحة وكامل همام عليه ليخبراه عن عدم قدرته على رصد إحساسهما.
الرهان على الانتشار
لا يمكننا القول بأننا أمام رواية ضعيفة أو ساذجة، فهي واحدة من الأعمال التي يمكن الرهان على انتشارها بشكل واسع، لكننا كنا نتصور أن بها جانباً غائباً عن الثقافة المصرية، وهو عالم الخدم المجلوبين من النوبة، وهو عالم بدا جديداً على القارئ، وبدت مفرداته وقوانينه مفاجئة، وكنا نتصور أن نادي السيارات سيكون على نحو أكثر عمقاً مما تم طرحه، وليس مجرد مسرح تدور عليه مجموعة من الأحداث لا رابط بينها غير المكان، نظراً لأن العلاقة الأهم، وهي أسرة عبدالعزيز همام، جاءت في الدرجة الثانية من اهتمام المؤلف، وربما لجأ إليه حينما لم يستطع تطوير عنصر المكان وقدراته على تحمل البطولة في النص.