Quantcast
Channel:
Viewing all articles
Browse latest Browse all 8691

الحراك السياسي الحاضر.. وسؤال المثقف الغائب

$
0
0

عندما كنا نتساءل أين دور المثقف العربي في الحدث السياسي والاحتجاجات التي تقوم منذ ما يقارب السنتين في وطنه، كان يجب أن نلتفت إلى الكويت أيضا، ونسأل هذا السؤال، فالحراك السياسي يجعل المثقف الكويتي في دائرة السؤال نفسها رغم اختلاف تفاصيل الحدث.

البعض استغرب هجره للسياسة وانكفاءه على الإنتاج الأدبي، رغم أن هذا الإنتاج شرع في الآونة الأخيرة يطرق أبواب قضايا تتعالق بشكل ما مع قضايا سياسية واجتماعية. غير أن التناول البحثي والنقدي لقضايا الواقع ضمن أطر ثقافية أخرى هو ما يغيب عن الساحة.

تغيب الأسئلة اليوم في زمن طرحها، ويختبئ البعض خلف الذرائع الطائفية والفئوية والعصبية نفسها، التي يمكن أن يفسر بها الحراك، ويجعله يقف على مسافة منها، ولا يفرز الحراك السياسي ظلا ثقافيا موازيا. ونتساءل نحن عن السبب.

 

ثقافة الشباب

د. سعد بن طفلة -أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت- قال:

الخوض في هذا السؤال مغامرة لأي مثقف، لأنه يفترض أنه لا توجد ثقافة تساير هذا الحراك السياسي، بينما رأي آخر يقول إن هناك ثقافة أخرى تتشكل هي ثقافة الشباب الرقمي، ربما النجومية ما زالت لبعض المخضرمين من الساسة بحكم التجربة والعمر، ولكن المستقبل لجيل الشباب القادم، الذي يشكّل ثقافته.

المؤسف أن هناك اجراءات قمعية وسلطوية في وجه هذا الحراك الشبابي، والثقافي، قد تجعله ينحرف عن أن تكون ثقافة من أجل السلم الاجتماعي، ولا نعرف إذا كان من الممكن أن يقود هذا النوع من القمع إلى نوع من أنواع التمرد من قبل الشباب وثقافتهم الرقمية الجديدة.

 

مفترق طرق

ثم تحدث د. بن طفلة عن ملامح تلك الثقافة، وإن كان يمكن أن تتعرض لمعوقات من قبل جيل من المثقفين ينتمي لمرحلة أخرى:

التاريخ كان يكتب بما قبل وما بعد اختراع آلة الطباعة والآلة البخارية والعجلة، والآن يقاس بما قبل وما بعد الثورة الرقمية، ونحن الآن على مفترق طرق، وقد تكون الثقافة التي تتشكل مجهولة لنا نحن الذين عايشنا المرحلتين، أي مرحلة الثقافة الورقية ومرحلة الثقافة الرقمية، والثقافة لا تتوقف عند جيل، وأدوات الإعاقة لو تم استخدامها من قبل جيل قديم من المثقفين، فهم بالنهاية ينتمون لجيل آخر، فأدواتهم متخلفة وقديمة، والانتصار للمستقبل والجيل القادم.

واعتبر بن طفلة أن أزمة الثقافة والمثقف مشتركة عربيا، وإن كانت هناك خصوصيات إقليمية لكل دولة.

وأضاف: العامل المشترك أن الكل يتعامل مع هذه الثورة الرقمية بشكل أو بآخر.

أما العوامل الخاصة فدول الثورات ما زالت غير مستقرة، أما الدول المستقرة مثل الكويت، فما يحصل هو انتكاسة وردّة على الحريات بدلا من استيعاب هذه الثورة بجيلها الرقمي وبثقافته الجديدة، فما يحصل هو قمع لهذه الثقافة، حيث وصل الأمر إلى سجن المغردين والمعارضين، وهذا أخطر ما في الأمر، وقد يؤدي إلى انحراف هذه الثقافة التي تتشكل اليوم في مواجهة تلك الإجراءات القمعية.

 

مواقف مختلفة

د. عبدالله الجسمي -أستاذ الفلسفة في جامعة الكويت- قال إن غياب المثقف عن الحراك الذي عاشه الشارع الكويتي مؤخرا، سببه أنه ليس هناك موقف موحد مما يحدث، فهناك مثقف يدعم الحراك، وآخر يعارضه، وبعضهم يتحفظ عليه.

وأضاف: وهناك سبب مهم ساهم في غياب النخبة المثقفة، وهو تراجع أعداد المثقفين في المجتمع الكويتي، والدور الذي يلعبه المثقف في التأثير على العامة.

فما نلاحظه في الفترة الأخيرة أن تأثير السياسيين أصبح أكبر بكثير من المثقفين، بسبب تردي الأوضاع المعيشية وانتشار ظواهر الفساد وعدم الالتزام بالقوانين واستخدام الوسائل الإعلامية المختلفة التي توصل مواقف السياسيين وأخبارهم للعامة بشكل مستمر في مقابل غياب الاهتمام بالمثقفين والثقافة.

كما أن طبيعة القوى التي قادت الحراك السياسي، أو على الأقل تلك التي كانت في واجهته، ليست قوى على قدر معين من الثقافة، بل إن البعض منها له موقف مضاد للثقافة العقلانية والتنويرية، كموقف القوى الأصولية مثلا. فطبيعة معظم القوى التي قادت الحراك كانت فئوية، وطريقة تفكير العديد منها ينم عن التعصب أو الجمود الفكري. هنالك عدد من المثقفين آثروا عدم اتخاذ موقف من الحراك الجاري في المجتمع، لأنهم يرون صراعا بين قطبين، وهما: الحكومة والأغلبية، ولا يرون طرفا ثالثا يعبر عن أفكارهم ومواقفهم، ولربما موقف الأغلبية الصامتة في المجتمع حتى يقفوا معه ويدعموا قضاياه.

 

طابع شخصي

ثم تحدث د. الجسمي عن إشكاليات تعاني منها الحركة الثقافية الكويتية، ومنها ما يحمل الطابع الشخصي وآخر يحمل الطابع الفكري: هناك العديد من المثقفين يغلب عليهم الطابع الشخصي في التعامل مع القضايا الثقافية وكذلك علاقاتهم مع المثقفين الآخرين ورجل الشارع. ونتج عن ذلك وجود صراعات شخصية فيما بينهم، انعكست على مواقفهم من القضايا العامة في المجتمع. أما بالنسبة للجانب الفكري فتفتقر الحركة الثقافية المحلية إلى وجهة فكرية محددة يتم من خلالها التعامل مع المشكلات الفكرية والثقافية السائدة في المجتمع الذي تنخره ثقافة التعصب والجمود الفكري.

 

حراك قديم

د. سليمان الشطي -الناقد والأديب- رأى أنه ليست هناك حاجة لوضع حراك ثقافي مختلف، لأن الحراك السياسي ليس جديدا وبدأ منذ أن بدأت الحياة الديموقراطية في الكويت.

وأضاف: الأديب كمواطن يمارس دوره كأي مواطن آخر ولديه وجهة نظر وانتماء ورأي يدافع عنه في ندوة أو مقالة، وبعضهم لهم أعمدة صحفية تتابع كل ما يجري على الساحة.

أما كمثقف، فهو يعلق ويكتب ويشارك، ومن يقودون الحراك هم أصحاب رأي وفكر وينتمون للقصة والكتابة التاريخية والفكرية وفي الوقت نفسه يواكبون كتابة ما يحدث يوميا. أما من حيث إبداء الرأي ووجهة النظر، فأنا -على سبيل المثال- لي زاوية شهرية في مجلة الكويت تتناول القضايا الفكرية والسياسية كالحرية واختلاف الرأي والتنوير وغيرها.

أما عن الكتابة الأدبية، فهناك روايات ودواوين ومسرحيات تمسّ الجانب القائم من وجهة نظر أدبية. سارتر مثلا عندما كتب عن الاحتلال الفرنسي كتب مقالات صريحة وواضحة، وكتب أيضا مسرحية «الذباب» وهي رؤية فنية صالحة لكل زمان ومكان وليست خطابا مباشرا. ولا أرى ما يستدعي تغيير الرؤية الثقافية لأن ما يحدث ليس ثورة كما يحدث في مصر وسوريا ولكنه حراك سياسي كالذي يحدث في أي بلد مستقر.

 

رؤى قومية

د. نادر القنة -الناقد المسرحي- قال إنه بالعودة إلى الإرث الثقافي الكويتي نجد أنه تم التوافق في منشأ الخطاب الثقافي مع الرؤية السياسية للدولة، فلم يكن بوسع أحدهما الانفراد عن الآخر إذا أخذنا بعين الاعتبار مركزية الخطاب الثقافي في البدايات الأولى بعد استقلال الكويت:

كان الخطاب بكليته يتجه نحو القضايا القومية من دون الخوض في إشكاليات الرؤى الوطنية، فظهرت القصيدة والمسرحية وباقي الأشكال الأدبية التي تساند القضايا الوطنية وتنتصر لمركزية الخطاب الثقافي والسياسة العربية في فترة لاحقة، وأضيف إلى ذلك أن معظم المؤسسات الثقافية في تلك المرحلة كانت بيد الخبرات العربية سواء في المسرح أو الصحافة أو التعليم فكانت هذه الخبرات تدفع باتجاه إفراز تلك الرؤى القومية.

ثم تحدث د. القنة عن تاريخ فاصل بين مرحلتين تغير فيه الخطاب الثقافي فقال:

بعد الثاني من أغسطس تنبه المثقفون إلى ضرورة تحريك القضايا الوطنية (المحلية) من الهامش إلى المركز فظهرت أشكال الأدب المعنية بهموم وإشكاليات المواطن. القليل منها يرتقي إلى مستوى خطاب السلطة السياسية، والقليل منها دخل في إطار المشاكسة السياسية، محملا بدلالاته وآفاق رؤيته، غير أن هذا القليل لا يشكل في مجمله تيارا تستطيع أن تقول من خلاله إن الثقافة هي انعكاس منطقي للرؤية السياسية.

 

السؤال المعرفي

واعتبر د. القنة أن إفرازات الثقافة، بما تشتمل عليه من فنون وآداب لا تعد مصدر دخل المشتغلين فيها كما في دول أخرى في العالم، وهذا من أسباب انكفاء الخطاب الثقافي في مسار مغاير للخطاب السياسي، طلبا للراحة وعدم وجع الرأس، كما قال. ثم أضاف: الأهم من ذلك أن نتساءل: أين السؤال المعرفي وسط هذا الزخم السياسي الذي بوسع الثقافة أن تقدّمه أمام الفضاءات المتحررة من القوانين والقيود في الميديا؟ وأين موقعنا نحن من تحليل هذا الخطاب وتجديده؟ فأذكر -مثلا- أن الخطاب المسرحي في الدولة هو جزء من خطاب ثقافي لم يتجدد ويسير على المسارات نفسها التي رسمها زكي طليمات، وكثيرا من الكتابات الصحفية تسير على نهج الخبرات العربية المؤسسة لهذا الخطاب. وهو ما يشير إلى أن تجديد الخطاب الثقافي ليس هماً وطنياً في موازاة الحراك السياسي، الذي بدأ يؤكد دوره ليس في المنطقة فحسب، ولكن على المستوى الإقليمي وأصبح شريكا عمليا في إنتاج اتجاهاته. نصل في النهاية إلى أن الخطاب الثقافي منزوع السؤال، ولا يستطيع أن يكون من مكونات البنى الثقافية الموازية للبنى السياسية.


Viewing all articles
Browse latest Browse all 8691

Trending Articles