
أشار الروائي المصري إبراهيم عبدالمجيد أن الكويت كانت في السبعينات الملاذ للكتّاب المصريين الهاربين من اضطهاد نظام السادات، وأكد عبدالمجيد أنه يشعر بالخوف على حرية الإبداع والتعبير في ظل حكم الإخوان لمصر، مشيرا إلى أن الإخوان يشتبكون حاليا مع الإعلام، وأن حربهم المقبلة ستكون ضد الثقافة، كلام عبدالمجيد جاء في الأمسية التي أقامها ملتقى الثلاثاء واحتفى فيها بتجربته الروائية الطويلة، الأمسية التي احتضنتها الجمعية الثقافية النسائية قدمتها د. رضوى فرغلي.
في بداية حديثه قال الروائي إبراهيم عبدالمجيد، الذي يزور الكويت بعد غياب 12 عاما، إن الكويت كانت في السبعينات هي الملاذ للكتّاب المصريين هروبا من اضطهاد السادات، وأشار إلى أن للكويت تأثيرا ثقافيا علي جيله من خلال الإصدارات المهمة مثل مجلة العربي والثقافة العالمية وعالم المعرفة.
اليسار والإبداع
وعن رحلته مع الرواية التي تمتد 40 عاما قال عبدالمجيد إن الكاتب في بداياته ينضم إلى السرب الموجود، لكن سرعان ما يستقل بنفسه، باحثا عن شكل جديد في الكتابة، وهو ما حدث معه، فكانت روايته الأولى «في الصيف السابع والستين» عن نكسة يونيو التي غيّرت حياة جيله والأجيال التالية.
وتحدّث عبدالمجيد عن انضمامه لتيار اليسار في مصر، لكنه شعر أن الفكر اليساري يؤثر في إبداعه، لذا استقال من العمل الحزبي، وأشار إلى أن روايته الثانية «المسافات» منحته الوعي بأهمية المكان، وهو ما حدث في سلسلة أعماله عن الإسكندرية.
ثلاثية الإسكندرية
وتحدث عبدالمجيد عن الثلاثية التي كتبها عن الإسكندرية «لا أحد ينام في الإسكندرية» و«طيور العنبر» و«الإسكندرية في غيمة»، والتي قضى في كتابتها 10 سنوات.
الرواية الأولى «لا أحد ينام في الإسكندرية» تتناول أحوال المدينة أثناء الحرب العالمية الثانية، عندما كانت مدينة كوزموبوليتانية يسودها التسامح والتعايش بين جميع الأجناس والديانات.
وفي الثانية «طيور العنبر» تحدّث عن المدينة بعد حرب السويس 1956، حيث أصبحت مدينة مصرية بعد خروج الأجانب، أما في الثالثة «الإسكندرية في غيمة»، فهي عن الإسكندرية في فترة السبعينات، حيث فقدت حتى مصريتها بعد تحالف نظام السادات مع التيار الإسلامي المتطرف.
وفي نهاية حديثه عن تجربته الروائية، قال عبدالمجيد إنه يحب التجريب، لا الكتابة في خط واحد، ولا يهمه في النهاية أن يقال على ما كتبه جيد أو سيئ، فالقراء مختلفون، ولا يوجد إجماع على كاتب واحد سوى في الدول المتخلفة.
طقوس الكتابة
وقد أجاب عبدالمجيد عن مجموعة من الأسئلة، وجهتها له مقدمة الأمسية د. رضوى فرغلي حول عالمه الروائي، فعن طقوس الكتابة لديه قالعبدالمجيد إن طقوسه غاية في البساطة، فهو يكتب على المكتب نفسه منذ 40 عاما، والإنارة يجب أن تكون «نيون» بيضاء، ولا يكتب في الصيف، ويفضل الكتابة في الشتاء، ولا يكتب إلا في الليل، ويضع بجواره راديو مثبّت على إذاعة واحدة، هي البرنامج الموسيقي، التي لا تبث سوى الموسيقى.
محفوظ وكافكا
وعن أهم الأسماء التي أثرت في عالمه الروائي، أكد عبدالمجيد أن الكاتب المصري الوحيد الذي أثر فيه هو أديب نوبل الراحل نجيب محفوظ، وعلى الصعيد العالمي تأثر بالتراجيديا اليونانية والتشيكي كافكا والروسي دوستوفيسكي والأديب الإيطالي دينو بوتزاتي.
وفي رده عن سؤال يتعلق بروايته «البلدة الأخرى» قال عبدالمجيد إنه سافر إلى السعودية لمدة عام، وهناك اكتشف أن المدينة الفاضلة مجرد وهم في ظل طغيان المال، فلا أحد يتحدث سوى عن المال، لذا كتب رواية يبحث فيها البطل عن بلدة أخرى يكون فيها التوازن بين الروح والمادة، وهي البلدة التي لم يجدها بطل الرواية في بلده مصر ولا السعودية التي سافر إليها.
ضد الأجيال
وعندما سألته فرغلي لماذا كل جوائزه التي حصل عليها من مصر، بينما لم يحصل على جائزة عربية، رفض عبدالمجيد الإجابة، وقال إنه لا يحب الحديث عن الجوائز، لأنها لا تشغل باله سواء في مصر أو خارجها.
وعما إذا كان ينتمي إلى جيل الستينات أو السبعينات، قال عبدالمجيد إن البعض يصنفه على أنه من جيل الستينات، بينما البعض الآخر يصرّ على أنه من جيل السبعينات، لكنه أكد منذ البداية أنه لا ينتمي إلى أي جيل أدبي، وسخر من إطلاق تسمية الجيل كل 10 سنوات، قائلا إن ذلك يوجد في وزارة الصحة، وليس في الأدب.
وعن النصيحة التي يوجهها للروائي الشاب قال عبدالمجيد النصيحة هي «لا تستمع لنصيحة أحد».
الجماعة واختطاف المستقبل
وقد أجاب عبدالمجيد عن أسئلة الحاضرين، حيث سألت الأديبة ليلى العثمان عن قلق الكاتب والعذاب النفسي عند الكتابة عن ما يحدث في مصر بعد الثورة، فأجاب عبدالمجيد بأنه أصدر كتاب «لكل أرض ميلاد.. أيام التحرير» عن يومياته بميدان التحرير طوال أيام الثورة، لكنه استبعد كتابة رواية عما يحدث في مصر بعد الثورة، لأنه يكره كتابة رواية عن شيء ضايقه، مضيفا «فما بالكم بالكتابة عن جماعة تريد اختطاف مستقبل الأمة كلها».
وردا على سؤال يتعلق بمدى خوفه على حرية التعبير والإبداع في ظل حكم الإخوان، قال عبدالمجيد إنه يشعر بالخوف مثل أي مثقف، لأن الإخوان يشتبكون حاليا مع الإعلام، وستكون حربهم المقبلة مع الثقافة.
أزمة تواصل
وفي مداخلة للأديب طالب الرفاعي قال إن عبدالمجيد من الكتّاب العرب القلائل الذين يرتبط اسمهم بالمكان، حيث لا يمكن ذكر عبدالمجيد من دون ذكر الإسكندرية، وتحدّث الرفاعي عن وجود أزمة تواصل بين الكتّاب العرب، مشيرا إلى أننا نعيش عصر انفلات إلكتروني أضر بالتواصل بين الكتّاب العرب، وتساءل الرفاعي عن السبيل إلى إقامة هذا التواصل؟
ورد عبدالمجيد بأن الأجيال القديمة لا تستخدم مواقع التواصل الاجتماعي، وربما كان هو الوحيد من جيله الذي يستخدم «تويتر»، وألمح عبدالمجيد إلى أن أزمة التواصل ربما سببها أن الكاتب العربي يتواصل مع الغريب بحثا عن أرض جديدة، وأكد أن التواصل المباشر وجها لوجه هو الأفضل والأكثر حميمية، رغم سطوة وسائل الاتصال الحديثة.