من أبرز ميزات المهرجانات المسرحية مشاهدة تجارب وأعمال مختلفة لفنانين عرب، والأجمل في المهرجان الأكاديمي الثالث، الذي ينظمه المعهد العالي للفنون المسرحية هذه الأيام، وتقام فعالياته على مسرح حمد الرجيب في المعهد، دعوة فرق طلابية من عدة دول عربية، من بينها طلبة جامعة فاس المغربية.
إذا كنا نعرف المسرح المغربي من خلال تجارب فنانين كبار، شاهدنا أعمالهم وصفقنا لها طويلا، مثل الطيب الصديقي وعبدالرحمن بن زيدان وعبدالكريم برشيد وبعض فناني المغرب الكبار، فإن عرض «همسات»، الذي قدمته جامعة فاس مساء أمس الأول من بطولة الطالبين محمد نشيط وإسماعيل معروف، يشكل تجربة جديدة ونافذة، يمكن أن نطل من خلالها على تجارب جيل مسرحي جديد يحمل هموما وتطلعات وآمالا جديدة، ويعبر عن نفسه بعفوية.
أداء صامت
العرض المغربي يعتمد على الأداء الصامت (البانتومايم)، وهو أصعب أنواع الأداء المسرحي، لأن الممثل يعتمد على حركة جسمه فقط في إيصال الفكرة دون مساعدة عناصر أخرى. وغالبا ما تظهر مثل هذه النوعية من الأعمال على شكل مشاهد فردية أو ثنائية، للتعبير عن حالة معينة يعيشها الفنان، ولا تصل إلى مستوى العرض المسرحي المتكامل، لأنها تحتاج إلى فنان محترف يمتلك الخبرة الكافية.
لا يعيب العرض أنه مقتبس من مسرحية أوروبية في فكرته الأساسية، لأن الإعداد الجماعي ألبسه الثوب العربي والمغربي على وجه التحديد،.
يدور العرض المسرحي بين شاب وقرينه، هذا الشاب يصطدم بالواقع، وغير قادر على تحقيق أحلامه العريضة بعد تخرجه من الجامعة، يعيش واقعا مؤلما، ويحاول جاهدا أن يجد مخرجا لمشاكله، لكنه لا يستطيع ذلك في ظل الظروف المحيطة به، فيعيش حالة من الانفصام مع مجتمعه، الذي يعج بالتناقضات، خاصة في ظل العولمة واتساع وسائل التواصل الاجتماعي وتطور وسائل الاتصال.
انسجام ثنائي
اللافت للنظر في العرض المسرحي المغربي هو الأداء الجميل والمنسجم لعنصري التمثيل، فقد أوضح العرض القدرة الجسدية الفائقة لكلا الطالبين، اللذين اختصرا بالحركة والإيماءة الكثير مما يمكن أن يقال، وأراحا الجمهور من فك رموز اللهجة، وكان الصمت أكبر نجاح لهما، كان صمتهما ناطقا معبرا عما يجول في أفكار الشباب العربي في كل مكان، الشباب الباحث عن نفسه في هذا الزمن الصعب.
نجح الثنائي في التعبير بسلاسة، وكان الانسجام واضحا بينهما إلى حد الاندماج، وهناك الكثير من المشاهد الجميلة في العرض، خاصة في استخدام اليدين عند الحوار بينهما، وايضا من خلال الحركة خلف الشاشة، وهو ما يؤكد لياقتهما الفائقة وقدرتهما على التعبير بالحركة فقط.
كنا نتابع مباراة في الأداء الصامت بين شابين، يريد كل منهما كسب رضا الجمهور، وجاءت كفتيهما متعادلتين إلى حد كبير.
وكانت الأزياء منسجمة مع الفكرة الأساسية للعرض، من خلال استخدام اللونين الأبيض والأسود اللذين يعبران عن التناقض.
استمتعنا بعرض طلابي جميل وتجربة من المغرب، تؤكد أن الجيل المسرحي الجديد يسير على خطى الرواد الصديقي وزيدان وبرشيد.