Quantcast
Channel:
Viewing all articles
Browse latest Browse all 8691

حليم.. لا يزال كامل الأوصاف

$
0
0

مثلما كان غنوة جميلة وحدوتة مصرية رائعة، كان شاعر الرومانسية الأول، مثلما كان عندليب مصر الأسمر، كان فتى أحلام الفتيات، مثلما كان مطرب الثورتين، كان أحد عمالقة تاريخ الغناء العربي، عرفناه جميعا أسطورة امتازت بالصدق والإحساس والعاطفة يصعب تكرارها، ولحنا للوفاء يتسم بالإيقاع المتدفق بروح الحب المغرد بين العشاق والمحبين، كان يخفي في أعماقه رومانسية جميلة، رقيقة، دافئة لا حدود لها، تتلاقى وتتجمع وتتصاعد في كورال شعبي حزين.

في الثلاثين من شهر مارس عام 1977، رحل العندليب عبدالحليم حافظ صاحب الصوت الدافئ الحالم، الذي سكن الروح والقلب بمواويله وحسه الرقيق في التغني لكل شيء جميل، تاركا وراءه تراثا ذا قيمة فنية عالية، استقرت في قلوبنا وفي عقولنا وفي مشاعرنا، تحولت بالصدق والإتقان الى الاستمرار كأنها أصبحت حياة أخرى تعيدنا إلى صبانا وبراءتنا حتى لو كان قطار العمر قد مضى بنا الى محطة بعيدة.

عندما رحل أقوى الضعفاء عبدالحليم حافظ، الذي نتذكره كل عام، ويستحق أن نرجع اليه ونحيي ذكراه، وما أحلى الرجوع، عندما رحل، كم من معجب حاول الانتحار، فقد انتحرت إحدى المعجبات وألقت بنفسها من الدور العاشر، لايزال يطربنا بكل الحب حتى الآن رغم التنوع الكبير للأغنية العربية المعاصرة، وارتباطها بفنون الفيديو كليب وإبهار التكنولوجيا الحديثة، فإن الأيام اثبتت ان اغانيه الوطنية والعاطفية التي تتحلى بالشجن والطرب، وبتجلياتها الوطنية لا تغيب ابدا.

 

أعذب الذكريات

من منا لم يتأثر بصوته العذب الشجي الدافئ المملوء بمشاعر الود وعاطفة الإخلاص؟ من منا لم تحمل له ولو واحدة من اغنيات حليم أعذب الذكريات التي مرت به؟ من منا لم يعش معه افراح أفلامه الغنائية التي تمثل مرحلة خصبة ونادرة من تاريخ السينما المصرية؟ من منا لم تدمع عيناه عندما يعود إلى ماضيه في شريط تسجيل على وقع كلمات أغنيته الشهيرة: «يا قلبي خبي ليبان عليا ويشوف حبيبي دموع عينيه»؟ ومن منا لم يخفق قلبه حبا وسموا الى حبيبته وهو يقول: حبيبي الغالي .. من بعد الأشواق باهديك كل سلامي وحنيني وغرامي».

 

كامل الأوصاف

أيام وليالي الحب لاتزال مستمرة مع عبدالحليم حافظ رغم مرور 36 عاما على وفاته، مكانته متربعة على عرش القلوب حتى الآن، فكلما رأيناه على الشاشة زاد تقديرنا واحترامنا لفنه الراقي، وقدرته الصوتية العالية وإحساسه الصادق المرهف الذي تغلغل الى نفوس جماهيره المحبة عبر كلمات الحب الرقيقة التي غناها بشفافية ونقاء روحي تدعو الى الحب والأمل والسعادة والتفاؤل، بداية من «صافيني مرة» مرورا بـ: «كان يوم حبك أجمل صدفة - نعم يا حبيبي نعم - أهواك واتمنى لو أنساك - عقبالك يوم ميلادك - بتلوموني ليه - موعود - فاتت جنبنا - جانا الهوى - حاول تفتكرني - أي دمعة حزن لا - جبار»، وصولا إلى «قارئة الفنجان».

لقد كان دائما الغائب الحاضر، والحاضر بكثافة، ربما لا تقل عن ايام وجوده بيننا قبل السنوات الست والثلاثين الماضية.

 

صوت الثورتين

في يوم في شهر في 36 سنة كان عبدالحليم حافظ ولايزال المطرب العربي الوحيد في تاريخ الغناء العربي الذي غنى لمصر كما لو كان يغني لحبيبته، لقد أحب حليم مصر حبا يفوق كل حب، لدرجة انه قام بدور بارز في قيادة جماهير الشعب المصري أثناء ثورة 23 يوليو عام 1952، كما كانت اغنياته تلهب المشاعر الوطنية وتعمل على تأجيج روح الحماسة والغيرة بعد هزيمة 67، حيث استطاع أن يمس الاحاسيس ويخاطب الوجدان، فلا ننسى أغنية «عدى النهار»، التي تعد أدق تعبير عن الآم وأحزان النكسة، ولا يمكن أيضا أن نتجاهل دوره القومي الذي لا يقل أهمية عن دور جنود وأبطال حرب أكتوبر 73، حيث مكث في الاستديوهات لمدة أيام لتقديم أغاني النصر، إيمانا منه بدوره الوطني ومن أشهرها «عاش اللي قال»، «الفجر لاح»، و«لفي البلاد يا صبية».

العندليب عبدالحليم حافظ هو صوت النيل الصادق الذي شارك في تثوير الشارع المصري عبر أغانيه الوطنية، التي استطاعت أن تتخطى حاجز الزمن لتمنحه الريادة من جديد وتعيده الى التجربة نفسها في حدث لا يقل أهمية عن سابقه مع ثورة شباب 25 يناير، كلماته واغنياته وصوته الذي تجلى وأشعل حماس الثوار الذين لم يجدوا اغاني أقرب لهم لمثل هذا الحدث الوطني الكبير للتعبير عن لسان حالهم سوى اغاني حليم، التي كانت كأنها صيغت لهذه الثورة المجيدة، خاصة «أحلف بسماها وبترابها»، «احنا الشعب»، «صورة»، «المسؤولية»، «يا أهلا بالمعارك»، «بالأحضان»، «النجمة مالت على القمر»، و«خلي السلاح صاحي».

 

التحدي

لا يختلف اثنان على أن عبدالحليم حافظ كان الى اقصى درجات الموهبة، وكان يتسم بالذكاء الحاد الذي كان من أهم أسباب النجاح الكبير الذي حققه لفنه في مختلف مراحل مشواره الفني، كما أنه كان الفنان العربي وربما الوحيد، الذى نجح في تكوين صداقات كثيرة يعتز بها من بين الفنانين والفنانات والملوك العرب، كذلك نجح في تكوين صداقات ممتدة بين مجموعة من كبار الكتاب ساعدوه على الارتفاع من الأرض إلى السماء السابعة لدرجة أنه كان قادرا على أن يسيطر على الإعلام، مرئيا ومسموعا ومقروءا.

لو لم يكن مطربا لأصبح سفيرا في السلك الدبلوماسي، عبارة قالها الكاتب الراحل إحسان عبدالقدوس لتلخيص شخصية عبدالحليم حافظ، الذي سرق الأضواء من كل الأسماء التي عملت في الغناء حيا أو ميتا!

 

أسئلة.. وأسئلة

في الذكرى السادسة والثلاثين لرحيل عبدالحليم حافظ ربما تقفز أسئلة الكثيرة، بعيدا عن قصة زواجه من السندريلا سعاد حسني ومرضه، ترى من هو بديل عبدالحليم حافظ على عرش الغناء بين الذين يسرحون الآن ويمرحون على الساحة الغنائية؟ وأي منهم يمكن أن يصل إلى الزعامة التي وصل اليها العندليب؟ أم أن عصر العمالقة في الغناء قد انتهى، وان دنيا العرب لن تنجب بعد اليوم زعيما في الطرب؟ أسئلة نتوجه بها إلى عدد من الفنانين والملحنين والشعراء؟ فماذا يقولون؟

تقول الفنانة الكبيرة فاتن حمامة: لايزال عبدالحليم حافظ يحاصر الحاضر، وينافس المستقبل محتفظا بعبق حضوره وسطوته، لقد استحق التقدير لكل ما قدّمه على مدار مشواره الفني، سواء أغاني رومانسية عاطفية أو وطنية، كان أرق صوت غنى على الساحة الغنائية، وأجمل صوت عبر في السينما، مازلت أستمع اليه باستمرار ويملأ قلبي بالحنان والحنين، لم يظهر حتى الآن فنان بعذوبة وحلاوة أدائه النابع من القلب، جمعت بيننا صداقة فنية عميقة استمرت مع مرور السنين عندما عملنا معا في فيلمي «أيامنا الحلوة» و«موعد غرام» عام 1956.

 

4 أجيال متعاقبة

أما الشاعر الغنائي عبدالرحمن الأبنودي فيقول حتى الآن ما من بديل للعندليب عبدالحليم حافظ، هذه هي الحقيقة، وإلى أن يثبت الزمن العكس، فإن حليم لايزال يعتلي قمة الأغنية رغم تعاقب عشرات المطربين يمثلون 4 أجيال من المطربين، واشار الابنودي إلى أن أغاني حليم سواء كانت رومانسية أو عاطفية أو وطنية، فإنها وليدة فترة صادقة وحارة ورائعة في حياة الشعب المصري، لاسيما أن جميع أغنياته استطاعت ان تمس الاحاسيس وتخاطب الوجدان، لاتزال أغانيه تتناسب كل العصور والأكثر شيوعا على الرغم من كل المتغيرات والمستجدات.

 

صوت الميدان

ويؤكد المنتج محسن جابر أن أبرز ما كان يميز حليم دون غيره من المطربين الذين قدموا الاغنية الوطنية، وجعلت الناس ترددها ببساطة، أنه كان يغنيها والدموع تنهمر من عينيه حزنا وتأثرا بكلماتها النابعة من القلب وبصدق تام في المشاعر والأحاسيس، لقد شهد الشرق والغرب لعبدالحليم حافظ بأنه أسطورة غنائية يصعب تكرارها في الأمة العربية، وأثبتت الأيام حتى الآن أن أغانيه لاتزال الأكثر مبيعا على مستوى مصر والوطن العربي، وخير برهان، فقد كان صوت عبدالحليم حافظ أيقونة ثورة 25 يناير بأغنية «عدى النهار» الذي عبر من خلالها عن عشقه واعتزازه بوطنه الشامخ وعزيمة أبنائه.

 

شمس لا تغيب

ويرى الملحن حلمي بكر أن عبدالحليم حافظ لم يكن مطربا عاديا كغيره من المطربين، الذين شاركوا في تقديم الأغنية الوطنية، إنما كانت شخصيته وادائه حالة فريدة من الصعب تكرارها، وهو ما جعله مطلبا لكل الشعراء والملحنين في مجال الأغنية الوطنية ايمانا من صناعها وكتابها بموهبته واحساسه العالي وبراعته في توصيل الجمل والمعاني الوطنية بكفاءة عالية، والدليل على ذلك انه استطاع ببراعته وذكائه ان يضمن النجاح والاستمرارية لمعظم اعماله، وذلك من خلال تحقيقه للمعادلة الصعبة التي تقوم على صدق المشاعر والاحساس بالكلمات والاداء النابع من القلب.

 

على القمة

المؤرخ الموسيقي وجدي الحكيم، أوضح أن عبدالحليم حافظ لم يكن شخصية عادية، انما كان ظاهرة جديدة لم تعرف لها دنيا الغناء العربي نظيرا على امتداد السنين والايام، مؤكدا انه رغم حالة الانهيار التي تعاني منها الاغنية المصرية اليوم، فإن اغنيات حليم لاتزال مطلوبة حتى الآن، لأنها نابعة من قلبه ومعبرة عن صدق حبه لبلده، كان عبقريا وسابقا لعصره، اثر فينا جميعا باحساسه المتدفق الذي عكس مدى شعوره وصدقه في كل كلمة نطقها وتغنى بها اثناء تقديمه للأغنية، وهذا كان من أهم عوامل نجاحه، لأنه كان لا يبالغ ولا يسعى لاستعراض طبقات صوته في الغناء، بل كان يعتمد في المقام الأول على مشاعره وإحساسه بما يغنيه.

 

محمود لبيب: سبق عصره

من جانبه، أكد محمود لبيب الكوافير الخاص والصديق الشخصي للعندليب: إنه لو قدر له أن ينتج فيلما عن قصة حياة عبدالحليم حافظ لأطلق عليه اسم «خسارة .. خسارة»، لأن برحيله لم يعد هناك صوت أو إحساس يعوضه، لايزال خالدا بأعماله التي أثرت الساحة الفنية وتحيا في وجدان الشعب العربي، وباتت إرثا لا يمحوه الزمان، وامتازت بالصدق والإحساس والعاطفة.

وقال محمود لبيب إن حليم سبق عصره، وقدم الفيديو كليب قبل الجميع فأغاني «دقوا الشماسي» و«جانا الهوى» و«جواب» تندرج تحت قائمة فيديو كليب، وهذا يعني أنه متطور ومتجدد دائما لدرجة أن أغانيه وأعماله الفنية لاتزال تجذب الشباب والكبار حتى الآن.


Viewing all articles
Browse latest Browse all 8691

Trending Articles