منذ القديم كُتب الكثير عن ضرب الامثال وايراد الحِكَم والمقولات الشعبية على لسان الحيوان.
كتب ابن المقفع في كتابه «كليلة ودمنة» انواعا شتى من المناظرات والمحاكمات بين الحيوانات، وذلك في سبيل اطلاق حكمة ما، أو عبرة يأخذ بها الناس، وأحياناً هي للفت نظر وتنبيه أهل السلطة والسلطان. ولقد قيل الكثير عن مكالمة «سليمان» للحيوانات وخصوصاً الطير، وأُخذ هذا المنطق في التورية ومقاربة الحقائق من باب آمن في عهود الجور والظلم والاستبداد. ومن المفكرين من سلك هذا الدرب، ولكن من باب تصّوفي عميق كـ«منطق الطير» لفريد الدين العطار.
ولقد غلب على كل هذه الكتابات نوع من الفكاهة «المبطّنة». في العصور الحديثة ظهرت كتابات الفرنسي لافونتين بعنوان «اساطير وحكايا لافونتين» هذا الكتاب أخذ شهرة عالمية وزيّن صفحاته بشكل رائع الرسام الفرنسي غوستاف دوريه، وقد حفل بجميع انواع المحاورات بين الحيوانات.
لقد ذكر الجميع شخصية الثعلب الموصوفة بالاحتيال والمكر وسرقة الطيور، وخصوصاً الدجاج، وكل ذي منقاد وريش.
كان الثعلب يعرف كيف يتخلص من الكمائن التي يحوكها له الانسان، ويعرف كل أساليب الغش والخداع.
يبدو أن هناك منافسة قوية وضارية كانت، ولا تزال قائمة، بين مدى مكر الانسان ومدى مكر الثعلب. ويبدو أيضاً أن هناك لغة باطنية بين ثعالب العالم بالرغم من اختلاف الجغرافيا والجنس وحتى «القوّمية»!.
نحن نرى الثعلب في كتاب «كليلة ودمنة» يتكلم اللغة العربية، رغم أنها لغة معرّبة، ونرى أنه في أساطير لافونتين يتكلم الفرنسية، أما في أيام سليمان فكان هناك كما يبدو لغة اسمها لغة الطير...
وعندما يُذكر الثعلب والدجاجة فإن الناس يقفون مؤيدين الى جانب الدجاجة بوصفها الاضعف، وأنها لا تملك سلاحاً دفاعياً. وأظن بأن الدجاجة هي أغبى أنواع الطيور، فهي تملك جناحين ولا تطير!.. والظاهر أنها كانت في البدء تطير، لكنها رضيت أن تكون «أرضية» ففقدت مع الزمن القدرة على الطيران واورثته الى كل بني دجاج! في دراستنا المتوسطة كان المنهاج الدراسي يتضمن قراءة كتاب «كليلة ودمنة» وشرحه وتحليله باللغة العربية، وأيضاً كتاب الشاعر الفرنسي لافونتين باللغة الفرنسية، وكان علينا أن نحفظ غيباً عن ظهر قلب بضع قصائد باللغة الفرنسية طبعاً.
وللحقيقة، فقد كنا نسعد بشرح ما وَردَ في «كليلة ودمنة» ونغتبط عند استظهارنا لقصائد لافونتين، وكانت المتعة الكبيرة حين كان يُطلب منّا اجراء بعض المقارنات بين قصص هذين الكتابين.
في أحد الدروس كانت مقاربة بين ثعالب ودجاج ابن المقفع من جهة، وثعالب ودجاج لافونتين من جهة ثانية، وبنتيجة النقاش والتحليل تبيّن أنه على الرغم من أن ثعلب لافونتين يتكلم اللغة الفرنسية، وثعلب ابن المقفع يتكلم العربية، وينتميان الى قوميتين مختلفتين، ولا صلة نسب أو قرابة بينهما، إلا أنهما يشتركان بمهاجمة وأكل الدجاج الذي يتكلم بكل اللغات، ومنها بطبيعة الحال اللغة العربية.
د. غازي قهوجي
Kahwaji.ghazi@yahoo.com