Quantcast
Channel:
Viewing all articles
Browse latest Browse all 8691

غريزيلدا: ملكة الكوكايين.. والمعارك

$
0
0

سهرات جنس مختلفة.. كيلوغرامات من الكوكايين وعنف متوحش.. «إذا كنتُ أدين لك ببعض الأموال، سأقلتك. وإذا كنت تدين لي بأي مبلغ، سأقتلك أيضا». هكذا بكل بساطة تجسّدت الاستراتيجية التجارية لامرأة المافيا الكولومبية غريزيلدا بلانكو، الملقبة بملكة الكوكايين. لقد حقّقت هذه التجارة لغريزيلدا أرباحا تقدر بملايين الدولارات، إلا أنها حصدت من جهة أخرى أرواح عشرات من أعدائها.

عندما أطلق سراحها من السجن يوم الإثنين الموافق 7 يونيو 2004 بعد قضاء تسعة عشر عاما فيه، قال التحرّي المتخصص في مكافحة المخدرات بولاية فلوريدا جو كيلمر «ربما ستسيطر مجددا على تجارة المخدرات منذ يوم الثلاثاء، وقد تكون في اليوم نفسه في عداد الأموات».

لم يأت توقع هذا التحري من فراغ لأنه كان مسؤولا عن ملفّها وحقق معها كثيرا «كانت من بين أقسى الناس الذين عرفناهم في جنوب فلوريدا. وكما يقول المثل: من يتعامل بالسيف، يتشوق ليتم التعامل معه بالسيف نفسه».

كانت تلك كلمات حكيمة فعلا. استغرق الأمر بضعة أعوام، لكن الماضي الدموي لهذه العرّابة قضى عليها في نهاية الأمر. يوم الاثنين الموافق 3 سبتمبر 2012 تم إطلاق النار عليها عندما كانت خارجة من محل لبيع اللحوم في مدينة ميديلين الكولومبية.

بدأت غريزيلدا بلانكو حياتها في عام 1943 بالعنف والمأساوية التي أنهتها فيها. كانت شوارع ميديلين الضيقة والقذرة مملوءة بالعنف، وكان الجميع، بمن فيهم الأطفال الصغار، يضطرون لإقحام رؤوسهم في عالم الإجرام لكي يتمكنوا من البقاء على قيد الحياة. إلا أن غريزيلدا لم تبق فقط في مجال السرقات الصغيرة.

إذا أردنا تصديق تشارلز كوزبي، الذي أصبح شريكها في وقت لاحق، فان غريزيلدا خطفت مع مجموعة غير محددة صبيا صغيرا من عائلة ثرية بهدف الحصول على فدية. وعندما تعقدت الأمور، وجدت بيدها مسدسا، فما كان من هذه الفتاة إلا التصويب على رأس الرهينة الصغير وإطلاق النار عليه.

بعد فترة قصيرة من ذلك بدأت تعتاش من ممارسة البغاء، وتخلّت عن أمّها التي كانت مدمنة على الكحول، وانطلقت إلى رحاب العالم. التقت مع كارلوس تروخيلا، القوّاد ومهرب المهاجرين إلى الولايات المتحدة، وأنجبت منه ثلاثة صبيان. هاجرت إلى نيويورك لكي تتعرف إلى عالم الإجرام الأعلى، لكنها لم تتمكن من فتح الباب إلى هذا العالم إلا من خلال زوجها التالي، ألبرتو برافو: الحلم الذي قررا معا تحقيقه في أميركا لجني المال الوفير، كان يعتمد بشكل رئيسي على بيع الكوكايين.

في البداية كانوا يجلبونه لزبائنهما عبر مهرّبين صغار ومتفرقين، لكنهما تمكنا في وقت لاحق من التميّز عن غيرهم من عصابات المافيا، لأنهما ارتبطا مباشرة مع المصدر الكولومبي، وبالتالي بدآ يستوردانه لحسابهما بشكل شامل. كانا يحصلان على مئات الكيلوغرامات من الكوكايين من خلال مجموعة من الطيارين الذين كانوا على علاقة معها، في حين أن زبائنهما كانوا من مجموعات مختلفة، ابتداء من الرياضيين، وانتهاء بالموسيقيين والفنانين المعروفين. في ذلك الوقت كان يعمل لمصلحتهما 1500 موزع.

 

شجار زوجي.. بالسلاح

إلا أن المشاكل بدأت تسود حياتها كما كان متوقعا.. في بداية الأمر مع الشرطة التي تمكنت من جمع أدلة كثيرة ضدها، وضد ثلاثين شخصا من موزعيها. كانت تلك واحدة من أكبر قضايا الشرطة المرتبطة بالكوكايين في تلك الفترة، لذلك اضطرت غريزيلدا للفرار من أميركا إلى كولومبيا.

ثم حلّت بعد ذلك المشاكل ذات الطابع العائلي - المالي. فغريزيلدا لم تكن راضية أبدا عن طريقة إدارة زوجها للتجارة في بوغوتا. جاءت في يوم حار من ربيع العام 1975 لتسأل زوجها عن ذلك برفقة عدد من الرجال المسلّحين، وكانت هي تخبئ مسدسها داخل الحذاء. كان الزوج يتوقع نقاشا حادا، لذلك انتظرها بالطريقة نفسها: كان يحمل رشاشا وخلفه عدد من الرجال المدججين بالسلاح. اندلعت معركة عنيفة بين الطرفين قُتل فيها ستة من المرافقين، بالإضافة للزوج برافو. أما غريزيلدا، فأصيبت في بطنها لكنها بقيت على قيد الحياة.

لم تلقّب بالأرملة السوداء بسبب «سوء التفاهم» هذا الذي حصل مع زوجها. فقبل بضعة أعوام من ذلك كانت أطلقت النار أيضا على زوجها الأول، وفي الثمانينات خططت لقتل زوجها الثالث، عندما لم تتمكن من الاتفاق معه حول من منهما سيتولى تربية ابنهما.

 

امرأة لا تعرف الشفقة

لكن لكي لا نستبق الأمور، يجب أن نشير إلى أن عملية قتل ألبرتو برافو فتحت الباب لعصر الذروة لملكة الكوكايين هذه. فقد تمكنت بعد ذلك من اختيار السوق التالي الذي ستشهد فيه تجارتها نجاحا باهرا. كان ذلك في ميامي التي بدأت تفتح ذراعيها للجريمة المنظمة. إلا أن غريزيلدا لم تكن ترغب بأن تكون مجرد واحدة من اللاعبين في تجارة المخدرات هناك، بل كانت تريد السيطرة عليها بالكامل.

طريقتها كانت سهلة: اقتحام الساحة بعنف مسلح وحشي يثير الصدمة لدى المنافسين ويدمرهم تماما. في نهاية السبعينات حوّلت فلوريدا التي تنعم بالشمس الدافئة إلى ما يشبه شيكاغو الملبدة بالغيوم خلال فترة العشرينات.

كانت عصابتها «بيستوليروس» تقتل مروجي المخدرات العاملين لمنافسيها واحدا تلو الآخر. لم يصدق أفراد الشرطة أعينهم في العام 1979 عندما عثروا على سيارة نقل متوقفة وفي داخلها عضوان مقتولان من المافيا، كانت غريزيلدا أمرت بتصفيتهما لأنها لم تشأ أن تدفع لهما دينا مستحقا عليها. كانت السيارة مخترقة من الخارج بألواح فولاذية وبداخلها ترسانة كاملة من الرشاشات والمسدسات. لم يسبق للشرطة في ميامي أن رأت أي شيء مماثل قبل ذلك.

إنها متوحشة، وبالتالي يجب تنفيذ كل أوامرها. عندما كانت تُرسل رجالها لقتل زوجين ممن يروجون للمخدرات، لأنهما رفضا دفع الدين المتوجب عليهما، كانت تؤنبهم بشدة في وقت لاحق لأنهم قتلوا الزوجين فقط، وتركوا الأطفال على قيد الحياة.

كانت تسحر موظفيها لقدرتها على فعل كل شيء. «كانت مريضة نفسيا تماما. تريد أن تقتل كل شخص لا يعجبها، وأحيانا لأنها لم تعجب بطريقة نظره إليها»، كما أفاد المدعي العام ستيفين شليسينغر الذي وجه الاتهام إليها.

«كانت تحب المعارك»، كما أضاف بسخرية جورغيه ريفي أيالا، لكن كل تلك الأمور بدأت تتجاوز قدراتها بالكامل.

 

السيدة القوية تفقد عقلها

استغلت غريزيلدا سلطتها بكل ما أوتيت من قوة، ولكي لا يكون هناك أي شك حول الإمبراطورية التي كانت تطمح لبنائها، منحت ابنها الرابع اسم العرّاب المافيوي الشهير مايكل كورليوني. اشترت مجموعة الشاي الخاصة بالملكة الإنكليزية، وكمية من الماسات التي كانت تابعة للسيدة الأرجنتينية الأولى إيفا بيرون. وبالإضافة إلى كثير من المتاجر الفاخرة، كانت تملك قصرا في ميامي بيتش وأسطولا من السيارات الفخمة، وفي متجر ميديلين كانت تصمم بنفسها الملابس الداخلية التي يتم بيعها، وتزودها بجيوب صغيرة يمكن أن تستوعب حتى كيلوغرامين من الكوكايين.

وهذا شيء آخر، بالإضافة للعنف، الذي فقدت السيطرة عليه. في هذا السياق تفيد الكاتبة هارييت سوروفيل بأنها كانت مدمنة على هذا المخدر الأبيض منذ العام 1981، وكان تصرفها يشبه إدمانها هذا. وإذا كانت متوحشة بشكل دائم، فإنها اليوم باتت متوحشة لأسباب غير مفهومة أبدا.

أصابها شبه شذوذ جنسي، فكانت تُشبع رغباتها بطلب الراقصات المتعريات. أحيانا كانت تمارس الجنس مع بعضهن، وأحيانا أخرى كانت تمرح من خلال إطلاق النار عليهن. وبالفعل، فإن هذه الحفلات كانت الأخيرة في حياة بعض الراقصات. وأفيد بأنها أطلقت النار على امرأة حامل بعد أن صوّبت المسدس على بطنها. كما سرقت حوالي مليوني دولار من أفضل صديقة لها، ثم عذّبتها وقتلتها، ورمتها في القناة. كانت تلك بعضا من المشاهد المقززة في فترة حياتها النهائية: ملكة الكوكايين البدينة التي لا يؤمن جانبها، كانت في تلك الفترة تُجبر الرجال على ممارسة الجنس معها وهي تصوب المسدس إلى رؤوسهم.

كانت تعاني من المشاكل النفسية وتنشر حولها الرعب. ولم تتمكن السلطات من إيجاد شخص مستعد لأن يشهد ضدها إلا بعد ستة عشر عاما.

 

سأخطف ابن كنيدي

الفخ اصطادها في عام 1985 عندما جاء عملاء جهاز مكافحة المخدرات إلى مقرها في كاليفورنيا، حيث كانت تختبئ من المحاولات المتكررة لقتلها من قبل منافسيها. في البداية دخلت السجن بسبب التجارة بالمخدرات، ولم تأت قضايا القتل إلا بعد ذلك.

بمساعدة شريكها الرابع كوزبي كانت تدير تجارة الكوكايين من داخل السجن، وكانت تجني حوالي 50 مليون دولار شهريا، كما حاولت القيام بصيد كبير. استأجرت عددا من الرجال بهدف خطف ابن جون إف كنيدي واستبداله بها لاحقا. لم تنجح هذه الخطة الجهنمية، لكن الحظ حالفها في نهاية الأمر. فقد اثنان من الذين شهدوا ضدها مصداقيتهما في فضيحة مدوية: حيث تبيّن أن أحدهما كان يمارس الجنس فعليا مع سكرتيرة المدعي العام، والثاني عبر الهاتف. هذا الأمر ساعدها كثيرا ولم يتم النطق بحكم الإعدام ضدها.

 

الحرية الخطرة

لذلك أُطلق سراحها في عام 2004. كان الجميع يؤمنون أن فرصها للبقاء على قيد الحياة قليلة جدا، لأن هناك كثيرا من الناس الذين كانت لديهم أسباب جيدة تدعوهم للانتقام. «لو أبعدوني إلى بلد تم فيه تصفية أبنائي الثلاثة، فإنني لن أشعر بالأمان حتما»، كما اختصرت غريزيلدا فرصها المستقبلية خلال حديث مع التحرّي بوب بالومبو، مشيرة في هذا التصريح إلى حقيقة أن أبناءها الثلاثة قتلوا بسبب تجارة المخدرات. أما التحري المذكور فقد وهب عشرين عاما من حياته، لكي يتمكن من اصطياد هذه العرّابة.

لكن الأمور لم تكن سريعة كما توقع كثيرون. فقد تمكنت من أن تنعم بثماني أعوام كاملة في حي إل بوبلادو الفاخر في ميديلين، وكانت تسير في الشارع من دون أي مرافقين، وبدأت تشعر بالإيمان الديني يتسرب إلى جوارحها.

أطلق النار عليها من دراجة نارية، وهي طريقة تتسم بنوع من السخرية حتما. فهذه تحديدا هي الطريقة التي تبنّتها غريزيلدا في ميامي قبل ثلاثين عاما.

«فوجئنا جميعنا أن عملية القتل تمت في وقت متأخر كهذا»، كما أفاد أحد التحرّيين الذين حققوا معها في السابق، وكان يقصد بذلك أهالي المائتين والخمسين ضحية الذين قُتلوا بسببها، لا سيما أنهم من فئات اجتماعية لا تعرف معنى الصفح والسماح.

 

 

«رعاة بقر» الكوكايين

هكذا كان يطلق على المشاركين في حروب الكوكايين في ميامي خلال السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، وهي الحروب التي كانت أكثر العرابات وحشية، غريزيلدا بلانكو، تحدد وتيرتها. كما يحمل الاسم نفسه الفيلم الوثائقي الذي يتحدث عن تلك العصابات وحروبها، حيث يتمحور الجزء الثاني منه حول الذكريات التي أدلى بها زوجها الأخير تشارلز كوزبي. ويعترف المذكور أنه عندما خان زوجته ذات يوم، قام الكوماندوس التابع لها بإطلاق النار على سيارته بغزارة، لكنه نجا بأعجوبة. لكنه يؤمن بأنها لم تكن ترغب بقتله، لأن الوقت قد غيّر شخصيتها. وأفاد كوزبي متحدثا للصحافيين: «كشفت لي بعد ذلك أنها كانت ترغب فقط بتحذيري».

وقد كشفت صحيفة ميامي هيرالد أنه خلال فترة مقتل غريزيلدا، بوشر العمل على تصوير ثلاثة أفلام دفعة واحدة تتحدث عن ملكة الكوكايين، في حين تستعد شبكة «اتش بي أو» لتصوير مسلسل كامل عنها. وأشيع بأن دور البطولة في أحد تلك المشاريع ستلعبه الممثلة الشهيرة جنيفر لوبيز.


Viewing all articles
Browse latest Browse all 8691

Trending Articles