
الأسبوع الماضي نشرت القبس تحقيقا حول الملتقيات الثقافية غير الرسمية تساءلت فيه عما قدمته هذه الملتقيات للساحة الثقافية في الكويت ودلالة تزايدها من عام إلى أخر، وإن كانت قد استطاعت أن تكون مساحة للتواصل أم بقيت دائرة مغلقة على جمهور المثقفين فقط. تنوعت الآراء وبعضها رأى أن من مشاكلها عدم استطاعتها استقطاب جمهور من خارج الوسط الثقافي وتشرذم جهودها وعدم تواصلها وحتى أن حضورها يعتمد على التوافق الشخصي أو أنها ذات هوية ضبابية وبعضها مرتبط بتيارات سياسية.
لكن من ناحية أخرى هي برأي البعض ضرورة لإحلال توازن في مقابل سطوة الاسلام السياسي ومن إيجابياتها أنها استفزت رابطة الأدباء لتقديم فعاليات متميزة رغم الارتجال في التخطيط لأنشطة تلك الملتقيات برأي البعض.
محمد السعيد مدير ورشة السهروردي رأى أنه من الجميل انتشار الملتقيات الثقافية التي بدأها هو، بحسب قوله، وقال إنهم في ورشة السهروردي حاولوا التنسيق مع الأخرين سواء في ملتقى الثلاثاء أو صالون طالب الرفاعي أو ملتقى فضاء المسرح، ولكنهم لم يجدوا استجابة بل إن رابطة الأدباء كما قال:
- أخذت إجراءات تعسفية ضد الشاعر محمد صرخوه الذي كان يعطي دورة للمبدعين الجدد، رغم اعترافهم بقيمة الدورة. ثم رد على نقد وجه في التحقيق السابق للملتقيات يرى أن هناك غياب للقضايا الكبرى عن أنشطتها أو أجندتها وقال رأيه في جدوى تخصص تلك الملتقيات كما اقترح البعض المنتديات مفتوحة وقال انه لا يستطيع تحديد موضوع معين كأولوية أو كقضية كبرى أو مهمة «برأيي الأهم من ذلك هو التفكير العلمي في كيفية تدوير تلك الأنشطة لنعرف ما الذي يحتاج منها للاستمرار وما الذي يحتاج لدفن. المرحلة التالية هي مرحلة التخصص فقد زادت المنتديات واصبحت متشابهة ولا بد من عمل تصفية لها.
هناك تكرار في موضوعات الأنشطة الثقافية كما قال أحدهم وهذا برأيي يعود إلى أن الأفق الثقافي المحدود. من كل هذا أستثني ورشة السهروردي طبعا فنحن لدينا رسالة واضحة بينما الأخرون يريدون أن يقولوا أنهم موجودون».
حاجات المجتمع
فاخر سلطان عضو مركز «تنوير» قال إن المنتديات الثقافية لابد أن تكون انعكاسا لحاجات المجتمع بمختلف عناوين تلك الحاجات، فلا يمكن فصل السياسي عن الثقافي عن الاجتماعي عن الاقتصادي أو غيرها من أمور ومسائل:
- نعم، نستطيع أن نتخصص أكثر في جانب من الجوانب، كالثقافي، لكني أعارض منع الشأن الثقافي، على سبيل المثال، أن يتجرد من مسؤولياته في لعب دور مؤثر في إطار المعطيات المؤثرة والمهيمنة على الحياة. أنا لست ضد المعطى الثقافي الذي يسير حرا لوحده إن صح التعبير، سواء في الموضوعات التي يتبناها أو في النخبوية العضوية فيه. لكني لا أحبذ المعطى المتجرّد من مسؤوليات الحياة، المعطى الذي يرى نفسه أعلى من الواقع المعاش، الشارد من مجتمعه باتجاه اللاواقع ومن ثم نحو المجهول. لذلك، نجد الكثير من الأنشطة الثقافية، كالمنتديات أو غيرها، تظهر على السطح، وقد تزداد شعلتها في لحظة زمنية، لكن نورها يخفت بمرور الزمن، والسبب هو انفصالها عن واقعها، فيما من تزداد شعلة نشاطه هو الذي يصعد أفقه البياني جمهورا ومادة ثقافية واقعية أو مسؤولة، أي هو الذي يعكس في نشاطه الثقافي طرح إجابات يحتاجها المجتمع على الأسئلة الثقافية وكذلك غير الثقافية. وهذا هو الذي يوضح سبب ظهور بعض المنتديات الثقافية ثم أفولها سريعا، كذلك يظهر سبب تفوق بعضها على الآخر في المادة الثقافية المطروحة وفي الدعم الذي تتلقاه من الجمهور وفي تأثيرها ماديّا على الواقع.
موهوبون مهمشون
دخيل الخليفة قال إن ملتقى الثلاثاء الذي في سبتمبر من العام 1996 كأول ملتقى خاص، كان الهدف من انطلاقه كسر هيمنة المؤسسة الرسمية، وفتح المجال أمام الموهوبين والمهمشين للتعبير عن ذواتهم ثم رد على بعض الانتقادات الموجهة للملتقيات الثقافية ومنها الشللية والارتجال في البرامج وعدم القدرة على استقطاب الجمهور وغيرها:
- من الواضح تماما أن بعض المتحدثين عن المنتديات غاب عنهم أمران، الأول يتعلق بأزمة المكان، والثاني بأزمة الدعم المادي، ورغم تأثيرهما الكبير في أي عمل حاول أعضاء الملتقى الظهور ببرامج قوية، استضافوا خلاها خيرة الأدباء العرب من الخارج والداخل ، فضلا عن مشاركة الأدباء الكويتيين. فيما بدأ في المواسم الثلاثة الأخيرة بتنفيذ دعوات خاصة عبر جمع تبرعات بسيطة من رواده. وبعد هذا لا أعرف أين تكمن الشللية التي طرحها البعض في عمل الملتقيات إذا كانت تقام في أماكن وفضاءات مفتوحة؟
وأين تكمن الشللية وغياب البرامج إذا كنا نعد برنامجا كاملا للموسم يتم عبر نقاش ديمقراطي ونتقبل اقتراحات الجميع ونكتب كل التوصيات النقدية في نهاية الموسم؟. وفيما يتعلق بالجمهور، فإنني أرى من العيب أن يتحدث عن ذلك مثقف يفترض به أن يدرك أن جمهور الثقافة (نوعي) يخلق فردا فردا، ومع ذلك فإن هذا الجمهور ينتظر مايناسب ذائقته المختلفة أصلا بين فرد وآخر.
وأؤكد أن هناك أنشطة شعرية وموسيقية غصت بالحضور، سواء في أنشطة ملتقى الثلاثاء أو جماعة «صوت الكويت» وغيرهما.
أما بخصوص غياب القضايا الكبرى، فإننا نخضع لقوانين الدولة، فالملتقيات ليست رسمية ولا تندرج تحت منظومة فكرية محددة، وأغلب أعضائها ليسوا كويتيين، وعملها يرتبط بالثقافة وليس السياسة، ومع ذلك نفذنا أمسيات وأنشطة مساندة للثورتين المصرية والسورية وحضرهما جمهور غفير.
تكبيل مادي وسياسي
عبد الوهاب سليمان عضو ملتقى «قادمون» قال إن عدم استقطاب الفعاليات الثقافية التي تقيمها الملتقيات الخاصة لجمهور خارج دائرة وضع تشترك فيه مع الفعاليات الثقافية الرسمية طالما أنه لا سياسة واضحة للدولة تعنى بنشر الثقافة، فالحال واحد في الفعاليات الثقافية الرسمية وغير الرسمية. أما عن اتهام تلك الملتقيات بالشللية وغياب الموقف الفكري الواضح فقال:
- لا يمكن إنكار وجود هذه النوعية من التكتلات ولكنها ليست قاعدة وهناك أشخاص فاعلين في عدة منتديات. أما بالنسبة لما قيل عن مسألة الموقف الفكري فلدينا ملتقيات لها نسق ثقافي واضح مثل تنوير وقادمون والأخرى تهتم بالإبداع بشكل عام وبالدرجة الأولى.
ثم تحدث سليمان عن صعوبة مناقشة قضايا كبيرة لإن ذلك برأيه يحتاج لاستضافة شخصيات من الخارج وهذا صعب في ظل تكبيل مادي وسياسي، فقدرة الملتقيات المادية لا تتيح ذلك إضافة إلى إمكانية حدوث ما حصل مع د.نصر حامد أبو زيد عندما دعي للكويت. واعتبر سليمان أن التخصص موجود في بعض الملتقيات بينما البعض الأخر أهميته في القدرة على استقطاب الشباب الذي في بداياته إلى أن يجد طريقه الخاص. أما عن سبب تزايد هذه الملتقيات في السنوات الأخيرة فقال:
- سببه القراءة وإبداع جيل الشباب وسهولة تواصلهم مع المثقفين الكبار عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة. ولكن هذا غير كاف فجاءت الملتقيات لتحقق التواصل المباشر من غير وسيط. ولتلك الملتقيات أهمية أخرى في تمكين المثقف الكويتي من التواصل مع المثقف غير الكويتي.
حراك ثقافي مهم
طالب الرفاعي تحدث عن أهمية الملتقيات الثقافية والتي تحاول جاهدة كما قال أن تكون صوتا عاليا وفاعلا مكملا لعمل المؤسسة الرسمية مثل المجلس الوطني للثقافة والفنون الآداب، والمؤسسة الأهلية مثل رابطة الأدباء، كما أنها تبث حراكا ثقافيا وفنيا برأيه بات ملحوظا على الساحة الثقافية. وأضاف:
- إن الملتقيات الثقافية، ليس في الكويت وحدها، بل وفي مختلف دول العالم، إنما تشكل رافدا حيويا ومهما للساحة الثقافية والفنية، وهي تنهض تنهض بمشاركة تطوعية لمجموعة من البشر اللذين يحملون افكارا وآراء متشابهة ومتقاربة، وهذا ما يجمعهم حول وصل إنساني وفكري وثقافي طيب وحميم. كما ويسهم مساهمة فاعلة في تقريب واحتكاك مختلف الاجيال المبدعة بعضها ببعض، وهذا هو الأساس الذي قام عليه (الملتقى الثقافي)، إلى جانب محاولة دعم وتشجيع انتاج الشباب الكويتي المبدع، ومحاولة إيصال إصداراته للمهتمين والنقاد وإلى الصحافة ومن ثم جمهور القراء.
التوجه للجمهور
زيد خلف عضو «نادي ديوان للقراءة» قال أن تجربة «ديوان» مختلفة عن تجارب الملتقيات الأخرى لأنهم يتجهون للقارئ بدلا من انتظار أن يتوجه لهم وانفتاح ناديهم على الجميع برأيه هو ما جعلهم يستقطبون جمهورا أكبر:
- من البداية حددنا أن تخصص النادي هو قراءة القصة القصيرة والمسرحية والرواية واعتمدنا على جمهور الهواة. نحن الآن في السنة الرابعة ومن البداية كان هدفنا هو الحث على القراءة ونشر الثقافة وتحقق ما هو أكبر من ذلك عندما تحول بعض القراء إلى أدباء وأصدروا إنتاجهم الأول.