
اختتمت الندوة الرئيسية لمهرجان القرين الثقافي التاسع عشر تحت عنوان «ارتدادات الربيع العربي-ربيع العرب ماله وما عليه» مساء أمس الأول، بعد أن تناولت على مستوى البلدان التي شهدت ثورات واحتجاجات متفاوتة النجاح في قدرتها على إزاحة الأنظمة القديمة من جهة، وملتبسة من جهة أخرى في قدرتها على بناء نظام ديموقراطي حقيقي على أسس جديدة.
فمن جهة بدا في الندوة المتعلقة بمسار الثورة السورية، التي تناولها د. أسعد مصطفى والاعلامي عبدالوهاب بدرخان، انه رغم التضحيات التي يبذلها الشعب السوري أن ثمة مسارا معقدا نتيجة استثمار النظام للفكرة الطائفية، ونتيجة التخوف من أن يؤدي سقوط النظام عسكريا إلى حروب أهلية أو طائفية، وبروز نوايا التقسيم أو الانفصال.
من جهة أخرى أبرزت الندوة المتعلقة بالوضع الخليجي، التي حاضر فيها د. أنور الرواس، ود. ابتسام الكتبي، التفاوت بين أوضاع دول الخليج ذاتها وصعوبة جمعها في سلة واحدة من حيث الظروف والملابسات. ومع اتفاق المحاضرين على أن طريق «الاصلاح» هو الأمثل في الوضع الخليجي نتيجة جملة علاقات اجتماعية وثقافية وسياسية، فقد كان هناك التحذير من أن تعويل الحكومات على النفط في قدرتها على الولاء والتقليل من شأن الاحتجاجات لن يطول أمده، مع وجود بوادر لتراجع أهمية النفط الخليجي.
جلسة ختامية
الجلسة الختامية كانت مع ورقتي د. محمد ربيع أستاذ الاقتصاد السياسي الدولي في المملكة المغربية وأرشاد هورموزلو كبير مستشاري رئيس الجمهورية التركية لشؤون الشرق الأوسط.
قال ربيع في بحثه إن الدعوة لتأسيس نظام حكم عادل في الوطن العربي يضمن الممارسة الحرة والمشاركة الحقة في العملية السياسية هي دعوة قائمة بذاتها، وذلك لأنها السبيل الوحيد لتحرير الإنسان من الظلم الذي لحق به على مدى عصور بلا عدد، كما ان الديمقراطية ليست نظام حكم فقط، بل هي أيضاً قيمة اجتماعية على غاية الأهمية ترسي مبدأ التعامل بين الناس على أساس المساواة في الحقوق والواجبات واحترام الرأي الآخر والاعتراف بحقه في التعبير عن نفسه.
وأشار ربيع الى الشورى في التراث العربي الإسلامي، مؤكدا انها لا تتأتى من دون حقائق منها:
ـ الاعتراف بوجود مجتمع، أو شعب يعيش في ظل ظروف معينة تجعله يُكون وحدة إنسانية ذات أمور مشتركة، ووجود فئات اجتماعية ذات قضايا ومصالح خاصة.
ـ الاعتراف بوجود قضايا ومشاكل عامة تهم الناس جميعا وتحتاج إلى قرارات وحلول يتم التوصل إليها والاتفاق حولها من خلال التشاور بين الناس والمشاركة في اتخاذ القرار.
ـ الاعتراف بوجود خلافات في الرأي والمواقف بين الناس تستدعي اللجوء إلى الشورى والتشاور.
ـ الإقرار بأن المعنيين من الناس، أي أفراد المجتمع الواحد، اعرف بأمورهم وأقدر على التعامل معها، وأن الحكم لا يستقيم من دون أن يعي الحاكم هذه الحقيقة ويحترمها.
ـ الإقرار بأن ممارسة الشورى والتشاور لا تتم إلاّ إذا توفرت الحرية وسادت أجواء التساوي بين الناس.
ليس بالأغلبية وحدها
وقال ربيع إن مبدأ الاختيار بين التيارات السياسية المتنافسة الذي تقوم عليه الديموقراطية الغربية لا يناسب غالبية الدول النامية، بما فيها الدول العربية، ويعود السبب في ذلك إلى كون معظم المجتمعات العربية تشمل أقليات عرقية ودينية وثقافية غير متجانسة وأحيانا متنازعة، وإلى سيطرة التطرف على فكر أغلبية القوى السياسية النشطة في المجتمع ومواقفها، وهذا يستدعي تأسيس نظام ديموقراطي يحول دون انفراد الأغلبية بالسيطرة على الحكم، ويصون حقوق الأقليات عامة فيما يمكنها من المشاركة في اتخاذ القرارات المصيرية على قدم المساواة مع الأغلبية، ولكن من دون أن يمنحها صلاحيات تمكنها من تعطيل عمل الحكومة الديموقراطية.
مصطلح الشرق الأوسط
أما أرشاد هرموزلو فقد بدأ بحثه بالتعليق على مصطلح «الشرق الاوسط»، مؤكدا انه تعبير مستحدث لم يكن معروفا قبل قرن من الزمان، فالمعروف أن المناطق تسمى إما ببعدها الجغرافي أو الديني أو الثقافي.
وأشار ارشاد الى كتاب ديفيد فرومكين، الذي حمل عنوان «سلام ما بعده سلام، ولادة الشرق الأوسط»، مؤكدا أن مصطلح الشرق الأوسط استحدث أثناء الحرب العالمية الأولى بناء على رغبة الانكليز لتحديد مناطق نفوذهم. ويقول البروفيسور سداد لاجينر أن أول من استخدم هذا المصطلح هو الفريد ماهان، ضابط البحرية الأميركي في مقال نشرته مجلة ناشيونال ريفيو في لندن عام 1902، تبع ذلك مقالات وردت في مصادر أخرى.
هوية تركيا
وتساءل ارشاد عن هوية تركيا قائلا: إن تركيا عضو في منظمة شمالي الأطلسي وعضو مؤسس في المجلس الأوروبي وعضو في منظمة الأمن والتعاون الأوروبي، ولديها اتفاقية للإعفاء الجمركي مع الاتحاد الأوروبي، كما انها ماضية للانضمام الكامل للاتحاد الأوروبي.
من هذا المنطلق نقول ان تركيا ليست أوروبية وليست شرق أوسطية، إنها تمد يدها للكل في تركيا بذاتها كحالة متميزة في هذا العالم، كما ان تركيا لم تبدل محورها، ولكنها صححت هذا المحور بما نسميه بسياسة الرجوع، أي الرجوع إلى الجذور والأصول واستذكار معاني الأخوة والعلاقات التاريخية والثقافية والدينية.
وقال ارشاد تقوم العلاقات بين الدول في منطقتنا بالذات على ضلعين أساسيين الأول: هو الضلع الثقافي الذي يتمثل في العلاقات التاريخية والاجتماعية والدينية والثقافية بكل ما تحتويها هذه العلاقات من معاني التآلف والود. أما الضلع الثاني فهو الضلع الاقتصادي.
آمال معقودة
وركز ارشاد على العلاقات التركية ـ العربية وقال: لا يمكن إنكار حدوث فجوة بين العرب والأتراك في فترة من الزمن لم يكن الطرفان مسؤولين، حسب اعتقادي، عن زرعها، بل كان مخططا لها من قبل جهات رأت أن إعادة التقارب الحميم بين هذين الشعبين تؤذي تطلعاتها ومصالحها.
واختتم ارشاد بحثه إن آمالنا معقودة على بدء حوار جدي بناء قد يكون انموذجا لحوار مماثل بين مختلف الشعوب التي تتمنى أن ترى العالم واحة سلام واستقرار دون تغليب مفاهيم الاستعلاء والتفرد وتغييب الآخر من آليات القرار، وقد عبر بيان اسطنبول عن هذه المبادىء بشكل واضح، و نأمل في أن يلقى النداء المعبر عن هذه الأفكار الآذان الصاغية على جميع المستويات.