Quantcast
Channel:
Viewing all articles
Browse latest Browse all 8691

النخبة الثقافية في «عام الفراغ»

$
0
0

2012 فضاء لفترة اخرى من حياتنا كمجتمعات او تجمعات بشرية. هذه المرحلة تستدعي أن تجد فضاءها الثقافي الذي تخلقه النخبة. التغيير يريد حضورا مختلفا، روحا اخرى، منهجا جديدا، تصورات تمس جوهر افكارنا التقليدية ومناهجنا السائدة، وهو ما لم يحدث حتى اللحظة.

الاحداث الجسام تنعكس بالضرورة على الذهنية السائدة، لا بد ان تصنع نمطا جديدا من العلاقات والاساليب يحل محل القديم او يجاوره، جسامة الحدث زلزال لا بد ان يجرف معه الكثير ويحرك الارض الصلبة. واستجابة النخبة المشتغلة في صناعة المعرفة والفنون لن تكون ممكنة دون النظر الى عمق الحدث وهامشه في آن واحد، وليس لطرف منه او جانب.

الثقافة بمعناها الاجتماعي او الانثروبولوجي تتأثر بالضرورة بالحدث، ذهنية المجتمع تستجيب قليلا او كثيرا الى المتغيرات، العادات والتقاليد والعلاقات تخضع لكل هزة، هذا لا يعني استجابة ايجابية، احيانا كثيرة تكون سلبية.. وهنا يفترض ان يأتي دور النخب الثقافية والسياسية.

اذا لم تكن هاتان النخبتان مؤهلتين للاستجابة الفعلية فهما ستبقيان عاجزتين عن فعل مختلف. النخب، وتحديدا المثقفة، تأخذ على عاتقها مهمة توجيه التغيير، كونها تقف في المنطقة الوسطى الموصلة بين الحدث والمجتمع المنفعل.

لا يشترط في حدوث العصف ومن ثم المراجعة ان تحصل ثورة، ربما يكون الامر خاضعا لحدث جلل تفرضه قوة خارجية. بعد العاصفة يمكن معرفة اين تقف النخبة بالتحديد.

في اوروبا الحرب العالمية الاولى ولدت شعوب مقهورة واخرى منتصرة، لكن لم تولد نخبة جديدة ولا اسئلة معرفية جديدة. بينما في الحرب العالمية الثانية اندفعت النخبة لأن تسأل وتراجع وتقيم وتنقد، لتكتشف ما تملك من قابليات وكفاءات. عندها ظهرت تيارات واتجاهات فرضت وجودها على الذهنية الآخذة بالنشوء، ذهنية المنتصر والمهزوم على حد سواء.

ما جرى في العالم العربي كان عصفا لم يؤد الى تغيير ايجابي، ولكنه في النهاية صنع حراكا، ليس لأن المجتمع هو الذي تحرك، بل لأن حدثا جللا وقع، رؤساء اطيح بهم، وحوكموا، وآخرون يجدون انفسهم امام مصير مجهول، وشعارات جديدة تظهر بدلا من تلك القديمة.. بمعنى ان التغييرات الجارية والتحولات الاجتماعية والنفسية والسياسية.. نتيجة طبيعية للحدث.

هذه النتيجة الطبيعية لا تشمل الحراك داخل صفوف النخبة المثقفة، لأن المثقف لا بد ان يكون مستعدا للاستجابة، للقدرة على الفهم، لا بد ان يعرف ماذا يعني ان تستجيب لحدث ما وكيف ولماذا؟

المشهد في 2011 ابرز بعض المواقف والقراءات والمحاولات التفسيرية، لا تكشف عن المرحلة القادمة، لكن تنتمي للحدث ذاته، تتماهى معه او تقف ضده او تحاول وضع تصور ما. فاجأنا جابر عصفور بقبوله منصب وزير الثقافة في آخر حكومات النظام المصري السابق واستقالته بعد ايام، اثار ادونيس الجدل عندما نقد الحراك السوري، قابله برهان غليون اذ اصبح منصب رئيس الفريق المعارض للنظام السوري، حاول محمد حسنين هيكل اعطاء تصورات جديدة..

استمرت بعض هذه الثيمات حتى عام 2012، لكن ليس من جديد، ظهرت اعمال ادبية، مقالات، كتب.. الكل يتحدث عن الثورة، غير انه حديث متسلسل مع ماضيه.. ليس المهم ان تكون المعالجات للثورة، النقلة الحقيقية تكمن في ولادة مضامين واشكال مختلفة، وفي القدرة على خلق المتلقي.

لو جربنا ان نتابع الثقافة العربية في عام 2012 وازلنا حدث الانتفاضات من سلسلة الاحداث، واردنا ان نلاحظ الفروق بين ما قبل «الربيع» وما بعده ثقافيا، سوف نجد تغييرات في الموضوعات المطروحة، وليس في منهج التفكير. وكأن ما جرى يشابه حرب اكتوبر، الكتاب والمثقفون آنذاك عالجوها في اعمالهم، لكنها لم تكن في أي حال صانعة لفكرة جديدة او مفهوما مختلفا عن الحياة، او منهجا مبتكرا في ملاحقة الاحداث والتعاطي مع الذهنية العامة.

مع كل هذا الفقر، أليس وصف الفراغ اكثر ما تستحقه هذه السنة ثقافيا؟.. سنتأمل 2013، عله يحمل جديدا من داخل هذا الفضاء الملبد بالكثير من الاخطار وبعض الآمال.

عمار السواد


Viewing all articles
Browse latest Browse all 8691

Trending Articles